فَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ الَّذِي أَنْفَقَ كُنُوزَهُمَا فَعُلِمَ أَنَّهُ أَنْفَقَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ كَانَ خَلِيفَةً رَاشِدًا مَهْدِيًّا، ثُمَّ جَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى فِي سِتَّةٍ، فَاتَّفَقَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِنْ غَيْرِ رَغْبَةٍ بَذَلَهَا لَهُمْ، وَلَا رَهْبَةٍ أَخَافَهُمْ بِهَا وَبَايَعُوهُ بِأَجْمَعِهِمْ طَائِعِينَ غَيْرَ كَارِهِينَ، وَجَرَى فِي آخِرِ أَيَّامِهِ أَسْبَابٌ ظَهَرَ بِالشَّرِّ فِيهَا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالْعُدْوَانِ، وَمَا زَالُوا يَسْعَوْنَ فِي الْفِتَنِ حَتَّى قُتِلَ الْخَلِيفَةُ مَظْلُومًا شَهِيدًا بِغَيْرِ سَبَبٍ يُبِيحُ قَتْلَهُ، وَهُوَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، لَمْ يُقَاتِلْ مُسْلِمًا. فَلَمَّا قُتِلَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَفَرَّقَتْ الْقُلُوبُ، وَعَظُمَتْ الْكُرُوبُ، وَظَهَرَتْ الْأَشْرَارُ، وَذُلَّ الْأَخْيَارُ، وَسَعَى فِي الْفِتْنَةِ مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهَا، وَعَجَزَ عَنْ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ مَنْ كَانَ يُحِبُّ إقَامَتَهُ، فَبَايَعُوا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِالْخِلَافَةِ حِينَئِذٍ، وَأَفْضَلُ مَنْ بَقِيَ، لَكِنْ كَانَتْ الْقُلُوبُ مُتَفَرِّقَةً، وَنَارُ الْفِتْنَةِ مُتَوَقِّدَةً، فَلَمْ تَتَّفِقْ الْكَلِمَةُ، وَلَمْ تَنْتَظِمْ الْجَمَاعَةُ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخَلِيفَةُ وَخِيَارُ الْأُمَّةِ مِنْ كُلِّ مَا يُرِيدُونَهُ مِنْ الْخَيْرِ، وَدَخَلَ فِي الْفُرْقَةِ وَالْفِتْنَةِ أَقْوَامٌ.
وَكَانَ مَا كَانَ، إلَى أَنْ ظَهَرَتْ الْحَرُورِيَّةُ الْمَارِقَةُ، مَعَ كَثْرَةِ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامِهِمْ وَقِرَاءَتِهِمْ، فَقَاتَلُوا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا وَمَنْ مَعَهُ، فَقَتَلَهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، طَاعَةً لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ: «يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَقَوْلُهُ: «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إلَى الْحَقِّ» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
فَكَانَتْ هَذِهِ الْحَرُورِيَّةُ هِيَ الْمَارِقَةُ، وَكَانَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ فُرْقَةٌ، وَالْقِتَالُ بَيْنَ