عَنْ أَبِي بَكْرَةَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتَنٌ أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، أَلَا فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ فَمَنْ كَانَ لَهُ إبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْت مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبِلٌ، وَلَا غَنَمٌ، وَلَا أَرْضٌ قَالَ: يَعْمِدُ إلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمَّ لِيَنْجُ إنْ اسْتَطَاعَ النَّجَاةَ. اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْت إنْ أُكْرِهْت حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إلَى إحْدَى الصَّفَّيْنِ أَوْ إحْدَى الْفِئَتَيْنِ فَيَضْرِبُنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ أَوْ بِسَهْمِهِ فَيَقْتُلَنِي. قَالَ: يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِك، وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» .
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ بَلْ أَمَرَ بِمَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْقِتَالُ مِنْ الِاعْتِزَالِ أَوْ إفْسَادِ السِّلَاحِ الَّذِي يُقَاتِلُ بِهِ.
وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْمُكْرَهُ وَغَيْرُهُ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْمُكْرَهَ إذَا قُتِلَ ظُلْمًا كَانَ الْقَاتِلُ قَدْ بَاءَ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِ الْمَقْتُولِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ عَنْ الْمَظْلُومِ {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 29] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا صَالَ صَائِلٌ عَلَى نَفْسِهِ جَازَ لَهُ الدَّفْعُ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ بِالْقِتَالِ عَلَى قَوْلَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ: إحْدَاهُمَا: يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ الصَّفَّ.
وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ.
وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ بِالْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ فَلَا يَجُوزُ بِلَا رَيْبٍ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ، بَلْ عَلَيْهِ إفْسَادُ سِلَاحِهِ، وَأَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يُقْتَلَ مَظْلُومًا فَكَيْفَ بِالْمُكْرَهِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الطَّائِفَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ: كَمَانِعِي الزَّكَاةِ، وَالْمُرْتَدِّينَ، وَنَحْوِهِمْ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْحُضُورِ أَنْ لَا يُقَاتِلَ وَإِنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ الْكُفَّارُ عَلَى حُضُورِ صَفِّهِمْ لِيُقَاتِلَ