جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَكَيْفَ إذَا ضَمُّوا إلَى ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُشْرِكِينَ كَنَائِسًا وَجِنْكِيزْ خَانْ مَلِكَ الْمُشْرِكِينَ مَا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُضَادَّةِ لِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ مَنْ قَفَزَ إلَيْهِمْ مِنْ أُمَرَاءَ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ وَفِيهِمْ مِنْ الرِّدَّةِ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، بِقَدْرِ مَا ارْتَدَّ عَنْهُ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ.
وَإِذَا كَانَ السَّلَفُ قَدْ سَمَّوْا مَانِعِي الزَّكَاةِ مُرْتَدِّينَ مَعَ كَوْنِهِمْ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ، وَلَمْ يَكُونُوا يُقَاتِلُونَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، فَكَيْفَ مِمَّنْ صَارَ مَعَ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَاتِلًا لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ لَوْ اسْتَوْلَى هَؤُلَاءِ الْمُحَارِبُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ الْمُحَادُّونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ الْمُعَادُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، عَلَى أَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ. فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ لَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى زَوَالِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَدُرُوسِ شَرَائِعِهِ.
أَمَّا الطَّائِفَةُ بِالشَّامِ وَمِصْرَ وَنَحْوِهِمَا فَهُمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمُقَاتِلُونَ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَهُمْ مِنْ أَحَقِّ النَّاسِ دُخُولًا فِي الطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْهُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ» .
وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ بِمَدِينَتِهِ النَّبَوِيَّةِ، فَغَرْبُهُ مَا يَغْرُبُ عَنْهَا، وَشَرْقُهُ مَا يَشْرُقُ عَنْهَا، فَإِنَّ التَّشْرِيقَ وَالتَّغْرِيبَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ، إذْ كُلُّ بَلَدٍ لَهُ شَرْقٌ وَغَرْبٌ، وَلِهَذَا إذَا قَدِمَ الرَّجُلُ إلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة مِنْ الْغَرْبِ يَقُولُونَ: سَافَرَ إلَى الشَّرْقِ، وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ أَهْلَ الشَّامِ أَهْلَ الْغَرْبِ، وَيُسَمُّونَ أَهْلَ نَجْدٍ وَالْعِرَاقِ أَهَلَ الشَّرْقِ، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَدِمَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا. وَفِي رِوَايَةٍ: «مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ» .
وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَهْلُ الْغَرْبِ هُمْ أَهْلُ الشَّامِ. يَعْنِي هُمْ أَهْلُ الْغَرْبِ