وَفِي الصَّحِيحِ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ تَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» . وَفِي لَفْظٍ: «أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إلَى الْحَقِّ» .

فَبِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ثَبَتَ أَنَّ عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ كَانُوا أَقْرَبَ إلَى الْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَأَنَّ تِلْكَ الْمَارِقَةَ الَّتِي مَرَقَتْ مِنْ الْإِسْلَامِ لَيْسَ حُكْمُهَا حُكْمَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، بَلْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِتَالِ هَذِهِ الْمَارِقَةِ، وَأَكَّدَ الْأَمْرَ بِقِتَالِهَا، وَلَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، كَمَا أَمَرَ بِقِتَالِ هَذِهِ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ: مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِلْحَسَنِ: «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» .

فَمَدَحَ الْحَسَنَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا أَصْلَحَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ، حِينَ تَرَكَ الْقِتَالَ وَقَدْ بُويِعَ لَهُ وَاخْتَارَ الْأَصْلَ وَحَقَنَ الدِّمَاءَ مَعَ نُزُولِهِ عَنْ الْأَمْرِ، فَلَوْ كَانَ الْقِتَالُ مَأْمُورًا بِهِ لَمْ يَمْدَحْ الْحَسَنَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِتَرْكِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَفِعْلِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ.

وَالْعُلَمَاءُ لَهُمْ فِي قِتَالِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْقِتَالَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ طَرِيقَانِ: مِنْهُمْ مَنْ يَرَى قِتَالَ عَلِيٍّ يَوْمَ حَرُورَاءَ، وَيَوْمَ الْجَمَلِ، وَصِفِّينَ، كُلُّهُ مِنْ بَابِ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَكَذَلِكَ يَجْعَلُ قِتَالَ أَبِي بَكْرٍ لِمَانِعِي الزَّكَاةِ، وَكَذَلِكَ قِتَالُ سَائِرِ مَنْ قُوتِلَ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْقِبْلَةِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ لَيْسُوا فُسَّاقًا بَلْ هُمْ عُدُولٌ.

فَقَالُوا: إنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ عُدُولٌ مَعَ قِتَالِهِمْ، وَهُمْ مُخْطِئُونَ خَطَأَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْفُرُوعِ، وَخَالَفَتْ فِي ذَلِكَ طَائِفَةٌ كَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ.

فَذَهَبُوا إلَى تَفْسِيقِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَهَؤُلَاءِ نَظَرُوا إلَى مَنْ عَدُوُّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي زَمَنِهِمْ، فَرَأَوْهُمْ فُسَّاقًا، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ لَا يُدْخِلُونَ الصَّحَابَةَ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُفَسِّقُ الصَّحَابَةَ بَعْضُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ، كَمَا يُكَفِّرُهُمْ بَعْضُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015