[كِتَابُ النَّفَقَاتِ]

مَسْأَلَةٌ:

فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ عِنْدَ قَوْمٍ مُدَّةَ سَنَةٍ، ثُمَّ جَرَى بَيْنَهُمْ كَلَامٌ، فَادَّعُوا عَلَيْهِ بِكِسْوَةِ سَنَةٍ، فَأَخَذُوهَا مِنْهُ، ثُمَّ ادَّعُوا عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ، وَقَالُوا: هِيَ تَحْتَ الْحَجْرِ؛ وَمَا أَذِنَّا لَك أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهَا: فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. إذَا كَانَ الزَّوْجُ تَسَلَّمَهَا التَّسْلِيمَ الشَّرْعِيَّ وَهُوَ أَوْ أَبُوهُ أَوْ نَحْوُهُمَا يُطْعِمُهَا كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ: لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ وَلَا لَهَا أَنْ تَدَّعِيَ بِالنَّفَقَةِ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْإِنْفَاقُ بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ، وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْعُلَمَاءِ؛ بَلْ مَنْ كَلَّفَ الزَّوْجَ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى أَبِيهَا دَرَاهِمَ لِيَشْتَرِيَ لَهَا بِهَا مَا يُطْعِمُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ؛ وَإِنْ [كَانَ] هَذَا قَدْ قَالَهُ بَعْضُ النَّاسِ. فَكَيْفَ إذَا كَانَ قَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِإِقْرَارِ الْأَبِ لَهَا بِذَلِكَ؛ وَتَسْلِيمِهَا إلَيْهِمْ؛ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْأَكْلِ؛ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَطْلُبَ النَّفَقَةَ؛ وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا أَنْفَقُوا عَلَيْهَا؛ فَإِنَّ هَذَا بَاطِلٌ فِي الشَّرِيعَةِ لَا تَحْتَمِلُهُ أَصْلًا. وَمَنْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ مُعْتَقِدًا أَنَّ النَّفَقَةَ حَقٌّ لَهَا كَالدَّيْنِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْبِضَهُ الْوَلِيُّ، وَهُوَ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ: كَانَ مُخْطِئًا مِنْ وُجُوهٍ.

مِنْهَا: أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالنَّفَقَةِ إطْعَامُهَا؛ لَا حِفْظُ الْمَالِ لَهَا. الثَّانِي: أَنَّ قَبْضَ الْوَلِيِّ لَهَا لَيْسَ فِيهِ فَائِدَةٌ. الثَّالِثُ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهِ؛ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ لَهَا بِالشَّرْعِ، وَالشَّارِعُ أَوْجَبَ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا، فَلَوْ نَهَى الْوَلِيُّ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ. الرَّابِعُ: إقْرَارُهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015