كَمِلْكِ الْأُجْرَةِ بِالْقَبْضِ، وَلَا مُعَاوَضَةَ فِي الْهِبَةِ فَلَمْ تَلْزَمْ إلَّا بِالْإِتْلَافِ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمَنَافِعِ، وَلَوْ بَعْدَ قَبْضِ الْعَيْنِ، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ بَاقٍ يُؤْخَذُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَلَمْ يَكُنْ قَبْضُ الدَّارِ قَبْضًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُوجَدُ بِوُجُوبِ الزَّمَانِ بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ فَإِنَّ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهَا بِكَمَالِهَا، ثَمَّ بِالْقَبْضِ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ عُلْقَةٌ فَاتَّضَحَ فُرْقَانُ مَا بَيْنَهُمَا.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ تَصِحُّ هَدِيَّةُ الْعَقَارِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ حَدِّهِمْ الْهَدِيَّةَ بِمَا يُنْقَلُ إكْرَامًا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلْ الْوَجْهُ الصِّحَّةُ كَمَا أَفَادَهُ الْبُلْقِينِيُّ نَقْلًا، فَالتَّعْبِيرُ بِالنَّقْلِ إمَّا لِلْأَغْلَبِ أَوْ لِبَيَانِ أَنَّ الْعَقَارَ وَإِنْ صَحَّ إهْدَاؤُهُ شَرْعًا لَا يُسَمَّى هَدِيَّةٌ وَضْعًا.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ عَمَّا اُعْتِيدَ مِنْ إهْدَاءِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِلثَّوَابِ بِأَنْ يُمْلَأَ ظَرْفَ الْهَدِيَّة وَيُرَدَّ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَقَعَ الْعَتَبُ وَالذَّمُّ هَلْ يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَذْهَبُنَا أَنَّ الْهِبَةَ بِقَصْدِ الثَّوَابِ يُوجِبُهُ، وَكَذَلِكَ هِبَةُ الْأَدْنَى لِلْأَعْلَى، وَإِنْ اُعْتِيدَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِطَلَبِ الْمُقَابَلَةِ وَالْهَدِيَّةِ كَالْهِبَةِ فِي ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَلَا عَمَلَ بِتِلْكَ الْعَادَةِ.
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ عَلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مِنْ الْمُهْدِي أَوْ الْوَاهِبِ بِقَرَائِنِ أَحْوَالِهِ أَنَّهُ لَمْ يُهْدِ أَوْ يَهَبْ إلَّا لِطَلَبِ مُقَابِلٍ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ هَدِيَّتِهِ أَوْ هِبَتِهِ، إلَّا إنْ قَابَلَهُ بِمَا يَعْلَمُ، أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ رَضِيَ بِهِ فِي مُقَابَلَةِ مَا أَعْطَاهُ، وَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ فِي الْمُهْدِي حَيَاءً، وَلَوْلَا الْحَيَاءُ لَمَا أَهْدَى أَوْ خَوْفَ الْمَذَمَّةِ وَلَوْلَا خَوْفُهَا لَمَا أَهْدَى، بِأَنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُ هَدِيَّتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَح بِهَا فِي الْحَقِيقَةِ، وَكُلُّ مَا قَامَتْ الْقَرِينَةُ الظَّاهِرَةُ عَلَى أَنَّ مَالِكَهُ لَا يَسْمَحُ بِهِ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي بَابِ الضِّيَافَةِ مِنْ ذَلِكَ فُرُوعًا لَا تَخْفَى.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا يُفْعَلُ لِلزَّوْجَةِ يَوْمَ ثَامِنِ زَوَاجِهَا مِنْ أَقَارِبِهَا، أَوْ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ هَلْ يَمْلِكُهُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ مِنْ غَيْر تَمْلِيكٍ، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ هَلْ قُصِدَ بِذَلِكَ الزَّوْجَةُ أَوْ غَيْرُهَا مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَمْلِكُهُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ؛ لِأَنَّهُ هَدِيَّةٌ لِصِدْقِ حَدِّهَا عَلَيْهِ، وَهِيَ مَا يُنْقَلُ أَيْ غَالِبًا لِدَارِ الْغَيْرِ إكْرَامًا لَهُ، أَيْ غَالِبًا أَيْضًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا كَذَلِكَ، نَعَمْ إنْ كَانَ ثَمَّ أَحَدٌ لَهُ عَلَى النَّاقِلِ دَيْنٌ وَادَّعَى النَّاقِلُ أَنَّهُ إنَّمَا نَقْلَهُ لِدَائِنِهِ عَنْ دَيْنِهِ، صُدِّقَ النَّاقِلُ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قَصَدَ الزَّوْجَةَ أَوْ غَيْرَهَا، فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ بِشَيْءٍ عَمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَهِيَ مِلْكٌ لِمَنْ أُرْسِلَتْ لِدَارِهِ، لِمَا عَلِمْت أَنَّ هَذَا هُوَ مَوْضُوعُ الْهَدِيَّةِ، هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يُعْرَفْ قَصْدُ الْمَالِكِ لِنَحْوِ مَوْتِهِ أَوْ جُنُونِهِ، وَإِلَّا صُدِّقَ فِي تَعْيِينِ مَنْ أَرْسَلَهَا لَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ وَاضِحٌ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ يَقَعُ فِي رَكْبِ الْحَجِيجِ أَنَّهُمْ قَدْ يَطْرَحُونَ طَعَامَهُمْ لِعَجْزِ جِمَالِهِمْ عَنْ حَمْلِهِ، وَقَدْ يَتْرُكُونَ مَا عَجَزَ مِنْ جِمَالِهِمْ فِي الْبَرِيَّةِ فَيَأْتِي إنْسَانٌ وَيَأْخُذُ ذَلِكَ، أَوْ يُطْعِمُ الدَّوَابَّ حَتَّى تَقْوَى، ثُمَّ يَأْخُذُهَا فَهَلْ يُبَاحُ ذَلِكَ وَيَمْلِكُ مَا يَأْخُذُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ فِي الْحَاوِي: إذَا تَرَكَ دَابَّةً، أَوْ بَعِيرًا كَبِيرًا فِي الصَّحْرَاءِ لِعَجْزِهِ عَنْ السَّيْرِ وَعَجَزَ الْمَالِكُ عَنْ حَمْلِهِ، أَوْ الْقِيَامِ بِهِ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَأَحْيَاهُ بِالْقِيَامِ عَلَيْهِ وَمَرَاعَاتِهِ حَتَّى عَادَ إلَى حَالِهِ فِي السَّيْرِ وَالْعَمَلِ. حُكِيَ عَنْ اللَّيْثِ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ يَكُونَ لِمُحْيِيهِ دُونَ تَارِكِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّارِكُ تَرَكَهُ لِيَعُودَ إلَيْهِ فَيَكُونَ أَحَقَّ بِهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ الْمُحْيِي أَحَقُّ بِهِ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَالَ: هُوَ عَلَى مِلْكِ تَارِكِهِ وَلَكِنْ لِآخِذِهِ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ عَلَى مِلْكِ تَارِكِهِ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُنْفِقِ كَمَا لَوْ عَالَجَ عَبْدًا أَشْفَى عَلَى الْهَلَاكِ حَتَّى بَرَأَ أَوْ أَخْرَجَ مَتَاعًا غَرِقَ فِي الْبَحْرِ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ مَتَاعًا قَدْ غَرِقَ فِي الْبَحْرِ مَلَكَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَهَذَا شَاذٌّ مَدْفُوعٌ بِالْخَبَرِ وَالْإِجْمَاعِ، وَلَكِنْ لَوْ وَجَدَ فِي الْبَحْرِ قِطْعَةَ عَنْبَرٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ كَانَتْ مِلْكًا لِوَاجِدِهَا، وَهَذَا كَمَا لَوْ صِيدَتْ سَمَكَةٌ مِنْ الْبَحْرِ فَوُجِدَ فِي جَوْفِهَا قِطْعَةُ عَنْبَرٍ كَانَتْ مِلْكًا لِلصَّائِدِ إذَا كَانَ بَحْرًا يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ الْعَنْبَرُ، أَمَّا الْأَنْهَارُ وَمَا لَا