دُون وَلَدِهِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ صَاحِب التَّقْرِيبِ فَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا عَلَى ضَعْفِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَلْ شُذُوذِهِ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ ثَمَّ ضَعِيفٌ جِدًّا مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ، وَإِنْ وَافَقَ بَحْثَ الرَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْحَثهُ مُتَعَمِّدًا لَهُ بَلْ مُبَيِّنًا أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصُّورَة أَعْنِي مَا إذَا وُقِفَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاء فَمَاتَ أَحَدُهُمَا يُشْبِهُ مُنْقَطِعَ الْوَسْطِ فَيَأْتِي فِيهَا جَمِيعُ الْأَوْجُهِ فِي مُنْقَطِعِ الْوَسَطِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الِانْتِقَالُ إلَى أَقْرِبَاءِ الْوَاقِفِ بَلْ هُوَ أَصَحُّهَا لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْلَم لَهُ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ فِيهَا انْقِطَاعٌ مُحَقَّقٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الِانْتِقَالِ لِلْمَسَاكِينِ انْقِرَاضَهُمَا جَمِيعًا وَلَمْ يُوجَدْ
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ظَهَرَ بِذِكْرِ الزَّرْكَشِيّ لِذَلِكَ أَنَّ مَا صَوَّبَهُ وَغَلَّطَ مَنْ خَالَفَهُ إنَّمَا هُوَ بِنَاءً عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّ فِي صُورَتِهِ انْقِطَاعًا فِي الْوَسَطِ كَمَا فِي صُورَةِ الرَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمَا ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا انْقِطَاعَ فِي الْوَسَطِ ثَمَّ فَكَذَلِكَ هُنَا بِالْأُولَى عَلَى أَنَّ تَخْرِيجَهُ هَذِهِ عَلَى تِلْكَ عَجِيبٌ مَعَ قَوْلِهِ عَقِبَ قَوْلِهِ: وَقَدْ سَبَقَ مِنْ كَلَام صَاحِبِ التَّقْرِيبِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَصِيرُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ أَنَّ مَا حَاوَلَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ تَخْرِيجِ هَذِهِ عَلَى تِلْكَ فَكَيْفَ يُخَرِّجُ هُوَ وَيَذْكُر أَنَّ مَا قَالَهُ وَصَوَّبَهُ هُنَا هُوَ مَا مَرَّ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ فِي تِلْكَ؟ ، فَوَقَعَ فِي مَحْذُورَيْنِ: التَّخْرِيجِ مَعَ وُجُودِ الْفَرْقِ وَالتَّخْرِيجِ عَلَى ضَعِيفٍ فِي تِلْكَ لَا عَلَى الصَّحِيحِ فَنَتَجَ مِنْ ذَلِكَ ضَعْفُ مَا صَوَّبَهُ وَفَسَادُ تَغْلِيطِهِ لِغَيْرِهِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَيْضًا ضَعْفُ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّه عَهْدَهُ تَبَعًا لَهُ كَالسُّبْكِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ الذُّكْرَانِ كُلٌّ مِنْ أُمٍّ وَالِابْنَتَانِ مِنْ أُمٍّ بَيْنهمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَشَرَط أَنَّ مَنْ مَاتَ بِلَا وَلَدٍ أَوْ نَسْلٍ عَادَ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ ثُمَّ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ لِلْمُتَوَفَّى فَمَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بِلَا وَلَدٍ فَانْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِأَخِيهِ وَأُخْتِهِ وَإِحْدَى الْبِنْتَيْنِ بِلَا وَلَدٍ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِنَصِيبِهَا أَخُوهَا أَوْ أُخْتهَا أَوْ يَشْتَرِكَانِ؟ وَإِذَا مَاتَتْ الْأُخْرَى عَنْ أَوْلَادٍ فَهَلْ يَرْجِع نَصِيبُهَا وَنَصِيبُ أُخْتِهَا لِأَوْلَادِهَا وَأَخِيهَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَشْتَرِكُ الْأَخُ وَالْأُخْتُ فِيمَا كَانَتْ تَسْتَحِقُّهُ الْأُولَى فَلَا يَرْجِعُ اسْتِحْقَاقُ الثَّانِيَةِ إلَى أَوْلَادِهَا، وَإِنْ أَفْتَى بِهِ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ عِنْد وُجُودِ الْأَوْلَادِ يَكُونُ لِمَنْ فِي دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لِأَوْلَادِهِ، بَلْ يَرْجِعَ اسْتِحْقَاقُهَا إلَى أَخِيهَا لَا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ بَلْ لِكَوْنِ الْوَقْفِ صَارَ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ وَأَخُوهَا أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ اهـ.
وَجَرَى عَلَى نَظِيرِ ذَلِكَ فِي أَمَاكِن مِنْ فَتَاوِيهِ وَيُرَدُّ مَا ذَكَره بِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِأَوْلَادِهِ إلَخْ مَمْنُوعٌ بِاعْتِبَارِ مَا مَرَّ وَمَا يَأْتِي وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَهُوَ لَا يَقْتَضِي الِانْقِطَاعَ الَّذِي ذَكَره؛ لِأَنَّا لَا نَبْنِي عِبَارَةَ الْوَاقِفِينَ عَلَى الدَّقَائِقِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَإِنَّمَا نُجْرِيهَا عَلَى مَا يَتَبَادَرُ وَيُفْهَمُ مِنْهَا فِي الْعُرْفِ وَعَلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَعَادَاتهمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَام الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الْقَرَائِنَ يُعْمَلُ بِهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي ذَكَره الشَّيْخُ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا أَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ الشَّرْطِ عَادَةً عُرْفًا فَإِنَّا لَوْ لَمْ نَعْمَلْ بِمَفْهُومِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ عِنْد وُجُودِ الْوَلَد لَا يَرَى صَرْفه لَهُ وَلَا لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ، وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا إذَا لَمْ يُعْهَدُ مِنْ أَحَدٍ.
، وَإِنَّمَا الَّذِي يَقْصِدُونَهُ بِذَلِكَ أَنَّ الْفَرْعَ يَجُوزُ مَا كَانَ لِأَصْلِهِ وَأَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ بِمَنْ فِي دَرَجَة أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ نَصِيبًا مِنْ الْوَاقِف، وَالْفَرْعُ لَا نَصِيب لَهُ فَيَقْصِد الْوَاقِفُونَ رِفْقَ الْفَرْع بِنَصِيبِ أَصْلِهِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا هُوَ مَقْصُودُهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ غَيْرَهُ لِبُعْدِهِ فَلَا مُعَوِّلَ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ أَظْهَر مَقَاصِدِ اللَّفْظِ مَا ذَكَرْنَاهُ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ وَقَدْ صَرَّحُوا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي بِأَنَّ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ إذَا تَرَدَّدَتْ تُحْمَلُ عَلَى أَظْهَرِ مَعَانِيهَا، وَبِأَنَّ النَّظَر إلَى مَقَاصِد الْوَاقِفِينَ مُعْتَبَر كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ عَنْ الْبَحْرِ: لَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي فَإِذَا انْقَرَضُوا وَأَوْلَادُهُمْ فَعَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ