الْجِدَارَ الْمُعَادَ مِلْكُ الْمُعِيدِ يُقَال: عَلَيْهِ هَدْمُ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ فَإِعَادَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْهَادِمِ فَإِذَا أَعَادَهُ كَانَ بَدَلَ مُتْلَفٍ لَا مِلْكَهُ أَوْ لِمَصْلَحَةٍ فَإِعَادَتُهُ وَاجِبَةٌ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُعَادُ وَقْفًا لَا مِلْكًا.
وَلَوْ ادَّعَاهُ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ عَلَى نِيَّةِ إعَادَتِهِ لِلْمَسْجِدِ فَكَذَلِكَ أَوْ عَلَى نِيَّةِ التَّمَلُّكِ لَمْ يَجُزْ.
الْخَامِسِ: أَنَّ الْمُعَادَ إنْ تَمَحَّضَ جِدَارًا لِلْمَسْجِدِ وَجَبَ فَصْلُ الدَّارِ مِنْهُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَفِعَ بِجِدَارِ الْمَسْجِدِ فِي الدَّارِ أَوْ لِلدَّارِ الْمُلَاصِقَةِ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ النَّاظِرِ إعَادَةُ جِدَارِ الْمَسْجِدِ، وَلَا يَتْرُكُهُ مَهْدُومًا عَلَى أَنَّ بِنَاءَ جِدَارِ الدَّارِ إنْ كَانَ فِي أَرْضِ الْمَسْجِدِ هُدِمَ أَوَّلُهَا يُعَادُ جِدَارُ الْمَسْجِدِ كَمَا كَانَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ.
السَّادِسِ: أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُدُّوا الْأَبْوَابَ الْمُلَاصِقَةَ فِي الْمَسْجِدِ» . يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ الْحُكْمَ بِجِدَارِهِ بَلْ عَلَّقَهُ بِاللُّصُوقِ فِي الْمَسْجِدِ أَيْ: كَوْنُهُ مُتَّصِلًا بِهِ فَشَمِلَ ذَلِكَ كُلَّ بَابٍ لَصِقَ بِهِ مِنْ أَيِّ جِدَارٍ كَانَ.
السَّابِعِ: أَنَّ حَدِيثَ «لَوْ بُنِيَ مَسْجِدِي هَذَا إلَى صَنْعَاءَ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يَحْدُثُ فِيهِ بَعْدَهُ كَمَا كَانَ بِزَمَنِهِ فِي الْحُكْمِ فَكَذَا الْجِدَارُ.
الثَّامِنُ: لَوْ قُدِّرَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى احْتِيَاجُ بَعْضِ حِيطَانِ الْكَعْبَةِ إلَى هَدْمٍ وَإِصْلَاحٍ فَهَدَمَهَا الْإِمَامُ وَأَعَادَهَا قِيلَ: الْحَائِطُ الْمُعَادُ مِلْكُهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ أَرَادَ حَتَّى يُوَقِّفَهُ فَإِنْ قِيلَ بِذَلِكَ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ فَجِدَارُ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ كَذَلِكَ إذَا الْحَرَمَانِ الشَّرِيفَانِ مُسْتَوِيَانِ فِي غَالِبِ الْأَحْكَامِ، وَقِيَاسُ الْمَدَنِيِّ عَلَى الْمَكِّيِّ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ، التَّاسِعِ: ذَكَرَ ابْنُ الْعِمَادِ أَنَّ الظَّاهِرَ بِيبَرْسَ هُوَ الْمُحْدِثُ لِمَقْصُورَةِ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَأَنَّهُ أَسَاءَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَجَرَ بِهِ طَائِفَةً مِنْ الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ عَنْ صَلَاةِ النَّاسِ فِيهَا فَإِذَا حُكِمَ بِإِسَاءَتِهِ بِذَلِكَ مَعَ قَصْدِهِ التَّعْظِيمَ.
وَعَدَمِ نَصٍّ بِالْمَنْعِ فِيهِ فَكَيْفَ يُفْتَحُ بَابٌ أَوْ شُبَّاكٌ مَعَ مَا فِيهِمَا مِنْ عَدَمِ التَّعْظِيمِ وَالْأَدَبِ لِارْتِفَاعِهِمَا كَمَا مَرَّ؟ الْعَاشِرِ: لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ تَخْصِيصَ الْجِدَارِ لِلْحِرْصِ عَلَيْهِ أَوْ لِخَشْيَةِ ضَعْفِهِ بَلْ إنَّمَا هُوَ لِمَنْعِ الِاسْتِطْرَاقِ وَالِاطِّلَاعِ إلَى مَسْجِدِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ خُصُوصِ الْجِدَارِ حَسْبَمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: أَسْنَدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَنْعَ لِلْوَحْيِ وَلَمْ يُبَيِّنْ عِلَّتَهُ فَإِنْ كَانَتْ تَعْظِيمَ الْمَسْجِدِ اسْتَمَرَّ التَّحْرِيمُ وَالْمَنْعُ، وَإِنْ لَمْ يُدْرَكْ لَهُ عِلَّةٌ اسْتَمَرَّ أَيْضًا تَعَبُّدًا، وَزَعْمُ أَنَّهَا لِخُصُوصِ الْجِدَارِ وَخَوْفِ ضَعْفِهِ سَاقِطٌ.
الثَّانِيَ عَشَرَ: أَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ سُئِلَ عَنْ رِبَاطٍ مَوْقُوفٍ عَلَى الصُّوفِيَّةِ اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ أَنْ يُفْتَحَ فِيهِ بَابٌ جَدِيدٌ مُلْصَقًا لِبَابِهِ الْقَدِيمِ.
فَأَجَابَ بِالْجَوَازِ بِشُرُوطٍ وَاسْتُدِلَّ بِفِعْلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَيْثُ فَتَحَ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَبْوَابًا زِيَادَةً عَلَى مَا كَانَ، وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا مِنْهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ الْجِدَارَ الْمُعَادَ لَهُ حُكْمُ الْجِدَارِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ إنَّمَا فَتَحَ فِي جِدَارِهِ الَّذِي أَعَادَهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بَطَلَ الِاسْتِدْلَال بِإِبْدَاءِ فَرْقٍ بِأَنَّ جِدَارَ الرِّبَاطِ جِدَارُ الْوَقْفِ وَجِدَارَ عُثْمَانَ لَيْسَ جِدَارَ الْوَقْفِ بَلْ هُوَ مِلْكُ عُثْمَانَ.
الثَّالِثُ عَشَرَ: صَرَّحَ الْعَبَّادِيُّ وَالْجُوَيْنِيُّ بِأَنَّ مَنْ الْتَمَسَ مِنْ النَّاسِ آلَةً لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ فَأَعْطَوْهُ صَارَ مَسْجِدًا بِنَفْسِ الْبِنَاءِ وَلَا يَحْتَاجُ لِإِنْشَاءِ وَقْفٍ كَمَا لَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا بِنِيَّةِ جَعْلِهَا مَسْجِدًا، وَهَذَا يُبْطِلُ زَعْمَ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَعَادَ حَائِطَ الْمَسْجِدِ كَانَتْ مِلْكَهُ فَتَحْتَاجُ لِإِنْشَاءِ وَقْفٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَا نَوَى بِعِمَارَتِهَا إلَّا إعَادَةَ حَائِطِ الْمَسْجِدِ.
وَمِمَّا يُبْطِلُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ: إذَا بَنَى مَسْجِدًا فِي مَوَاتٍ أَغْنَى فِعْلُهُ مَعَ النِّيَّةِ عَنْ التَّلَفُّظِ بِالْوَقْفِ وَزَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْآلَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَقَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنَّهَا لِلْمَسْجِدِ فَتَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ؛ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حِينَ وَسَّعَ الْمَسْجِدَ صَرَّحَ بِوَقْفٍ وَلَا ذَكَرَ لَفْظًا وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَتَوْفِيرِ الْعُلَمَاءِ فِي زَمَنِهِمْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْبِنَاءَ الْمُجَدَّدَ تَابِعٌ لِلْمَسْجِدِ الْقَدِيمِ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ: وَلَا شَكَّ فِي انْقِطَاعِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ عَنْ بِقَاعِ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ اهـ.
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَنْعِهِ مِنْ أَنْ يَبْنِيَ حَائِطًا عَلَى بُقْعَةِ الْمَسْجِدِ وَيَضُمَّ