حَيْثُ شَرَطَ الْوَاقِفُ فَلَا ضَمَانَ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ.
وَمِثْلُهُمَا الْأَبَارِيقُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى مَنْ يَتَوَضَّأُ فَإِنْ بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِ وَاضِعِهَا ضَمِنَ كَاسِرُهَا وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِذَا أَعْطَى عَطْشَانًا كُوزًا لِيَشْرَبَ فَوَقَعَ مِنْهُ وَانْكَسَرَ ضَمِنَهُ كَالْمَاءِ الَّذِي فِيهِ إنْ زَادَ عَلَى كِفَايَتِهِ فَيَضْمَنُ الزَّائِدَ عَلَى الْأَوْجَه؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنْ أَعْطَاهُ لَهُ بِعِوَضٍ ضَمِنَ الْمَاءَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ دُونَ الْكُوزِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَأَمَّا الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ فَإِنْ اسْتَعَارَ لِيَسْتَصْبِحَ أَوْ يَكْتُبَ فَالْقِنْدِيلُ وَالدَّوَاةُ مَضْمُونَانِ بِالْعَارِيَّةِ دُونَ الزَّيْتِ وَالْحِبْرِ؛ لِأَنَّهُمَا مَأْخُوذَانِ بِالْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ فَإِنْ اسْتَعَارَ لِيَكْتُبَ بِبَعْضِهِ فَقَطْ ضَمِنَ الزَّائِدَ عَلَى مَا مَرَّ، وَأَمَّا السَّادِسَةُ فَإِنْ صَرَّحَ بِالْعَارِيَّةِ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الصِّيغَةَ ضَمِنَ أَوْ الْمَعْنَى فَلَا، وَنَظَرُهُمْ لِلْأَوَّلِ أَكْثَرُ وَعَلَى الثَّانِي فَإِنْ اسْتَعَارَهَا لِإِيقَادِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا يَأْتِي مَا سَبَقَ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ مَا لَا تَصِحُّ إعَارَتُهُ مِمَّا يُسْتَهْلَكُ، وَأَمَّا السَّابِعَةُ فَالْأَوْجَهُ فِيهَا الضَّمَانُ كَمَا مَرَّ فِيمَنْ أَخَذَ كُوزًا لِيَشْرَبَ مِنْهُ بِلَا عِوَضٍ، وَأَمَّا الثَّامِنَةُ فَيَضْمَنُ فِيهَا الدَّابَّةَ، وَأَمَّا التَّاسِعَةُ فَإِذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِرَدِّ الظَّرْفِ ضَمِنَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ الرَّسُولِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُهْدَى لَهُ فَإِنْ كَانَ عَبْدَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ أَوْ وَكِيلِهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ أَرْسَلَهُ لِيَطْلُبَ ذَلِكَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِقَبْضِ الْوَكِيل فَيَضْمَنُ الظَّرْفَ بِتَلَفِهِ فِي يَدِ وَكِيلِهِ بِلَا تَقْصِيرٍ وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ لَمْ يَدْخُل فِي مِلْكِهِ إلَّا بِقَبْضِهِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَضْمَنُهُ الْوَكِيلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكِيلُ الْمُهْدِي لَا الْمُهْدَى لَهُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ مُسْتَعِيرٍ سُرِقَ مِنْ عِنْدِهِ الْمُسْتَعَارُ فَحَلْوَنَ عَلَيْهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحُلْوَانُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الرَّدِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ الْإِبَاحَةُ مِنْ أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ أَوْ لَا وَهَلْ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِبَاحَةُ الطَّعَامِ لِلْفُقَرَاءِ يُفْهَمُ التَّقْيِيدُ بِالْفُقَرَاءِ أَمْ لَا وَهَلْ الصَّدَقَةُ كَالْإِبَاحَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَام الزَّرْكَشِيّ أَوَّلَ قَوَاعِدِهِ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ وَغَيْرِهِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ التَّاجِ السُّبْكِيّ أَنَّ لَفْظَ الْإِبَاحَةِ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالشَّيْءِ الْمُبَاحِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِذَهَابِ عَيْنِهِ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ قَبْلَ إتْلَافِهِ غَيْرَ لَازِمَةٍ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَرَادَ.
وَلَيْسَ لِلْمُبَاحِ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ وَهُوَ أَكْلُهُ مَثَلًا فَإِذَا أَتْلَفَهُ بِأَكْلِهِ أَوْ نَحْوِهِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ مَلَكَهُ قُبَيْلَ إتْلَافِهِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الضَّيْفِ وَإِنْ كَانَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مُمْكِنًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَالْأَرْضِ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ مُفِيدَةً لِجَوَازِ انْتِفَاعِهِ لَا لِمِلْكِهِ الْعَيْنَ وَلَا الْمَنْفَعَةَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إجَارَتُهُ وَلَا إعَارَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَك أَنْ يَنْتَفِعَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ أَنْ يُقَيِّدَ الْإِبَاحَةَ بِمُدَّةٍ أَوْ يُطْلِقَهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ تَعْلِيقُهَا كَمَا رَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ إذْ لَا تَمْلِيكَ فِيهَا فَتَوْقِيتُهَا أَوْلَى وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَرَّرَتْهُ عَلِمْت الْجَمْعَ بَيْنَ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ ظَاهِرُهَا التَّنَاقُضُ وَعَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَقْتَضِي الْمِلْكَ حَيْثُ قَبَضَهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِنَحْوِ طَعَامٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَا فَرْقَ فِي الصَّدَقَةِ وَالْإِبَاحَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا عَلَى فَقِيرٍ أَوْ غَنِيٍّ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ التَّاجُ السُّبْكِيّ فِي قَوَاعِدِهِ وَإِنْ أَوْهَمَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهَا وَإِبَاحَةُ الطَّعَامِ لِلْفُقَرَاءِ خِلَافَهُ
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَجَدَ غَلَطًا فِي كِتَابٍ مُسْتَعَارٍ مَعَهُ أَوْ مَوْقُوفٍ هَلْ لَهُ إصْلَاحُهُ وَمَا ظَنَّهُ غَلَطًا هَلْ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ فَوْقَهُ لَعَلَّهُ كَذَا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْعَبَّادِيِّ وَأَقَرُّوهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَعَارَ كِتَابًا فَرَأَى فِيهِ خَطَأً لَا يُصْلِحهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا فَيَجِبُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْقُوفِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ حَسَنِ الْخَطِّ وَغَيْرِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَلِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ.
وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي لَا يَجُوزُ رَدُّ الْغَلَطِ فِي كُتُبِ الْغَيْرِ وَحَمَلَهُ الرِّيمِيُّ عَلَى مَا لَا يُغَيِّرُ الْحُكْمَ وَإِلَّا وَجَبَ رَدُّهُ لَا سِيَّمَا عَلَى الثَّبْتِ الْيَقِظِ، وَكُتُبُ الْوَقْفِ أَوْلَى وَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ تَيَقُّنِ الْغَلَطِ فَلَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ أَنْ يَكْتُبَ لَعَلَّهُ كَذَا فِي مِلْكٍ أَوْ وَقْفِ كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَأَخَذَ الْأَذْرَعِيُّ بِجَوَازِ ذِكْرِ عَيْبِ الْخَاطِبِ لِأَجْلِ النَّصِيحَةِ