اهـ.
عَلَى أَنَّ الْغَزَالِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَرَّحَ بِخُصُوصِ مَسْأَلَتنَا فِي الْإِحْيَاءِ فَقَالَ وَكَذَا الْقَصَّابُ إذَا كَانَ يَذْبَحُ فِي الطَّرِيقِ حِذَاءَ بَابِ الْحَانُوت وَيُلَوِّثُ الطَّرِيقَ بِالدَّمِ فَيُمْنَعَ مِنْهُ بَلْ حَقُّهُ أَنْ يَتَّخِذَ فِي دُكَّانِهِ مَذْبَحًا فَفِي ذَلِكَ تَضْيِيقٌ وَإِضْرَارٌ بِسَبَبِ تَرْشِيشِ النَّجَاسَةِ وَإِضْرَارٌ بِسَبَبِ اسْتِقْذَارِ الطِّبَاع الْقَاذُورَاتِ وَكَذَا طَرْح الْقُمَامَةِ عَلَى جَوَادِ الطَّرِيق وَتَبْدِيد قُشُور الْبِطِّيخِ أَوْ رَشُّ الْمَاء بِحَيْثُ يُخْشَى مِنْهُ التَّزَلُّق وَالتَّعَثُّر كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُنْكَرَات وَكَذَا إرْسَالُ الْمَاء مِنْ الْمَيَازِيبِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَائِطِ فِي الطَّرِيقِ الضَّيِّقَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَجِّسُ الثِّيَاب وَيُضَيِّقُ الطَّرِيق وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ فِي الطُّرُقِ الْوَاسِعَة إذْ الْعُدُول عَنْهُ مُمْكِنٌ. اهـ.
كَلَام الْأَحْيَاء وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِ بَلْ جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ جَزْمَ الْمَذْهَبِ وَلَمْ يُسْنِدْهُ إلَيْهِ وَوَجْهُهُ ظَاهِر فَإِنَّ مَا قَدَّمْته مِنْ كَلَامِ الْمِنْهَاج وَغَيْرِهِ صَرِيح فِيهِ وَيُؤْخَذ مِنْ كَلَامِ الْإِحْيَاء الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالضَّيِّقِ مَا لَا يُمْكِنُ الْعُدُولُ عَنْ الْمَاء النَّازِل مِنْ الْمِيزَابِ فِيهِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ مِنْ جَانِبِ الطَّرِيقِ بِحَيْثُ لَا يُصِيبهُ شَيْءٌ مِنْ النَّازِلِ مِنْهُ وَبِالْوَاسِعِ مَا يُمْكِن الْعُدُول عَنْهُ إلَى مَا لَا يُصِيبُهُ شَيْءٌ مِنْهُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَهَذَا الْمِيزَابُ الْمُحْدَثُ الْمَذْكُورُ إنْ كَانَ الْمَارُّ لَا يُمْكِنُهُ الْعُدُولُ إلَى مَحَلٍّ يَمْنَعُهُ مِنْ تَلَوُّثِهِ بِمَائِهِ وَقْتَ نُزُولِهِ يَمْنَعُ مِنْهُ مَخْرَجُهُ وَيَجِبُ عَلَى حَاكِمِ الشَّرْعِ وَفَّقَهُ اللَّه وَسَدَّدَهُ إلْزَامُهُ بِهَدْمِهِ أَوْ نَحْو أُخْدُود فِي جِدَاره يَنْزِل فِيهِ مَاؤُهُ إلَى مَوْضِعٍ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ الضَّرَر السَّابِق وَمَتَى امْتَنَعَ مُحْدِثُهُ مِنْ ذَلِكَ بَالَغَ فِي زَجْرِهِ وَنَكَالِهِ حَتَّى يَنْزَجِرَ غَيْرُهُ عَنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْمُحْدَثَات الْمُنْكَرَات وَلَا يُعَارِض مَا تَقَرَّرَ خَبَرَ مُسْنَدِ أَحْمَدَ فِي «قَلْعِ عُمَرَ لِمِيزَابِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - ثُمَّ أَعَادَهُ لَمَّا قَالَ لَهُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَهُ بِيَدِهِ» مَعَ أَنَّ النَّازِلَ مِنْهُ دَمٌ مُخْتَلِطٌ بِمَا حَمَلَ عُمَرَ عَلَى قَلْعِهِ أَوَّلًا ثُمَّ لَمَّا أَعَادَهُ لِمَا ذُكِرَ لَمْ يَنْهَهُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَاقِعَةُ حَالٍ فِعْلِيَّةٌ طَرَقَهَا احْتِمَالُ أَنَّ الشَّارِعَ كَانَ وَاسِعًا فَلَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى خِلَافِ مَا قُلْنَاهُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ لِصَاحِبِ الْمِيزَابِ فِي الطَّرِيقِ الْوَاسِع النَّافِذ أَنْ يُجْرِيَ مِنْهُ مَا شَاءَ مِنْ مَاءٍ الْمَطَر وَالْغُسَالَة الطَّاهِرَة وَالنَّجِسَة وَغَيْر ذَلِكَ إذْ لَا ضَرَر عَلَى أَحَدٍ مَعَ الِاتِّسَاع الْمَذْكُورِ السَّابِق ضَابِطُهُ، وَاَللَّه أَعْلَم
(وَسُئِلَ) عَنْ سَاقِيَةٍ لِأَرَاضٍ مُتَعَدِّدَةٍ لِكُلِّ مِنْهَا مَنْفَذٌ وَبَعْضُ مَنَافِذهَا مُرْصَدٌ بِوَضْعِ أَحْجَار فِيهِ وَلَا يَسُدُّ شَيْئًا مِنْ الْمَنَافِذِ لِشُرْبِ آخَرَ وَأَرَادَ صَاحِبُ الْمَنْفَذِ الَّذِي لَا رَصْدِ عَلَيْهِ أَنْ يَنْحِتَ تُرَاب أَرْضِهِ وَيَنْقُلَهُ لِيَنْخَفِضَ وَيَأْخُذَ الْمَاء عَلَى أَصْحَابِهِ لِانْخِفَاضِ أَرْضِهِ اللَّازِم مَعَهَا انْخِفَاضُ مَنْفَذِهَا بِجَرْيٍ فَهَلْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْمُرْصَدَةِ مَنْعُهُ وَالْحَالُ أَنَّ مَنَافِذَهَا مُتَسَاوِيَةُ الِاتِّسَاعِ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ وَهَلْ لَوْ اطَّرَدَتْ عَادَةٌ بِأَنَّ الَّذِي لَا رَصْدَ عَلَيْهِ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ وَهَلْ لِهَذِهِ أَثَرٌ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ أَرَادَ حَفْرَ نَهْرٍ فَوْقَ نَهْرِ غَيْرِهِ إنْ ضَيَّقَ عَلَيْهِ مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا وَبِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ مَنْ أَرْضُهُ أَسْفَلَ تَوْسِيعَ فَمِ النَّهْرِ أَوْ أَرَادَ الْأَوَّلُونَ تَضْيِيقَهُ أَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ بِنَاءَ قَنْطَرَةٍ أَوْ رَحًى عَلَيْهِ أَوْ غَرْسَ شَجَرَةٍ عَلَى حَافَّتِهِ أَوْ تَقْدِيمَ رَأْسَ سَاقِيَتِهِ أَوْ تَأْخِيرِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَا الْجَمِيعِ وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ نَحْتَ التُّرَابِ وَنَقْلَهُ إنْ كَانَ يُضَرُّ بِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ بِأَخْذِ مَاءٍ أَكْثَرَ أَوْ بِغَيْرِهِ مُنِعَ مِنْهُ مُطْلَقًا.
(وَسُئِلَ) عَنْ بَيْتٍ بَابُهُ نَافِذٌ إلَى الشَّارِعِ لَكِنَّهُ فِي مُنْعَطَفٍ بِحَيْثُ كَانَتْ فَتْحَةُ الْبَابِ فِي مُقَابَلَةِ طُولِ الشَّارِعِ دُونَ عَرْضِهِ فَالْخَارِجُ مِنْهَا يَمْشِي ابْتِدَاءً فِي الشَّارِع مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى انْحِرَافٍ وَقَدْ اتَّصَلَ بِفَتْحَةِ الْبَاب دِكَّةٌ مُمْتَدَّة تَحْتَ جِدَار الْبَيْتِ عَرْضُهَا مُسَامِتٌ لِعَرْضِ الْفَتْحَة بِحَيْثُ لَوْ مُدَّ جِدَارُ الْفَتْحَةِ الْمُتَّصِل بِالشَّارِعِ كَانَتْ الدَّكَّة فِي دَاخِلِهِ إلَى جِهَةِ الْبَيْت وَلَمْ يَعْلَم أَنَّ مَوْضِعَ تِلْكَ الدِّكَّةِ مِنْ الشَّارِعِ وَلَا أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ مُسَوِّغٍ لِوَضْعِهَا وَأَهْلُ الْبَيْتِ مُسْتَوْلُونَ عَلَى تِلْكَ الدَّكَّةِ مُنْتَفَعُونَ بِهَا بِالْجُلُوسِ عَلَيْهَا وَوَضْع الْأَمْتِعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَحْدَثُوا عَلَى بَعْضِ أَجْزَائِهَا عَشَّةً وَكُلٌّ مِنْ الدَّكَّةِ وَالْعَشَّة الَّتِي بِهَا لَا تَضُرُّ بِالْمَارَّةِ فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ إزَالَةُ تِلْكَ الدَّكَّةِ أَوْ الْعَشَّة قَهْرًا عَلَى أَهْل الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ أَصْلَهُمَا مِنْ الشَّارِعِ وَأَنَّهُمَا مَوْضُوعَانِ فِيهِ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ مُسَوِّغٍ لِوَضْعِهِمَا أَوْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ أَصْلَهُمَا مِنْ الشَّارِعِ