الْمُفْتِي إلَى ذِكْرِهِ فِي الْجَوَابِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشُّرَّاحِ فِي قَوْلِ الْمِنْهَاجِ فِي التَّيَمُّم أَوْ احْتَاجَهُ لِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ أَنَّ قَوْلَهُ مُسْتَغْرِقٌ مُسْتَدْرِكٌ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ يُغْنِي عَنْهُ إذْ احْتِيَاجُهُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ يَسْتَلْزِمُ اسْتِغْرَاقَهُ قُلْت يُمْكِنُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ لَوْلَا مَا يُقَالُ مُسَلَّمٌ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْعُلَمَاءِ لَا الْعَامَّةِ الَّذِينَ يَذْهَبُ الْجَوَابُ عَنْهُمْ عَرِيًّا عَنْ ذَلِكَ الْقَيْدِ عَلَى أَنَّا رَأَيْنَا بَعْضَ نَحْوِ الْمَسَاكِينِ فَعَلُوا تِلْكَ الْحِيلَةَ مَعَ أَنَّ لَهُمْ أَمْوَالًا تَزِيدُ عَلَى دُيُونِهِمْ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ الظَّلَمَةَ رُبَّمَا يَسْتَوْلُونَ عَلَى تِلْكَ الْأَمْوَالِ الْأُخَرِ وَلَا يُعْطُونَ أَرْبَابَ الدُّيُونِ مِنْهَا شَيْئًا فَيَنْحَصِرُ حَقُّهُمْ فِيمَا فِي أَيْدِيهمْ فَيُخْرِجُونَهُ تَفْوِيتًا عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ قَوْلِ السَّائِلِ حِيلَةً إلَخْ أَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ وَفَاءً بِالْمَعْنَى السَّابِقِ (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْته آنِفًا أَنَّ الْمَدِينَ الَّذِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ذَلِكَ الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ دُيُونٌ تَسْتَغْرِقُ مَالَهُ وَلَمْ يَرْجُ الْوَفَاءَ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ حَالًّا فِي الْحَالِ وَعِنْدَ الْحُلُولِ فِي الْمُؤَجَّلِ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَلَا شَرْعًا كَالْحِجْرِ الْغَرِيبِ وَكَمَنْ غَصَبَ مَالًا وَخَلَطَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ لَكِنْ يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْبَدَلَ.
(تَنْبِيهٌ آخَرُ) سَبَقَ عَنْ الْمَجْمُوعِ قَرِيبًا إجْمَالٌ يَحْتَاجُ لِتَقْيِيدٍ لَا بَأْسَ بِذَكَرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ فَلَا بَأْسَ بِالصَّدَقَةِ وَقَدْ تُسْتَحَبُّ إلَخْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا حَصَلَ بِذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَقَدْ وَجَبَ قَضَاءُ الدَّيْنِ فَوْرًا بِمُطَالَبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِكَوْنِهِ عَصَى بِسَبَبِهِ أَوْ كَانَ لِيَتِيمٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ إلَى إيفَائِهِ وَتَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ بِمَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ أَيْ حَالًّا فِي دَيْنِهِ وَإِنْ رَجَا وَفَاءَهُ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ أَيْ لَا حَالًّا وَالْمُؤَجَّلُ هُنَا كَالْحَالِّ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيِّ.
وَفَرَّقَ الْأَذْرَعِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَحْتَاجُهُ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنَّ الذِّمَّةَ لَمْ تَشْتَغِلْ هُنَا بِشَيْءٍ بِخِلَافِ الْمُؤَجَّلِ فَإِنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِهِ إلَى أَنْ قَالَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيمَا أَظُنُّ إنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِرَغِيفٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَمْ يَدْفَعهُ إلَى جِهَةِ الدَّيْنِ وَلَوْ قِيلَ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ أَوْ كَرَاهَتِهِ لَانْسَدَّ بَابُ الصَّدَقَةِ فَإِنَّ غَالِبَ النَّاسِ لَا تَخْلُو ذِمَّتُهُمْ مِنْ دَيْنِ مَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ.
مُلَخَّصًا وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي ظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ التَّصَدُّقِ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ وَمُمَوَّنِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِجَوَازِهِ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِدَيْنِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ عَبَّرَ فِي ذَلِكَ بِأُحِبُّ كَذَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيّ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَقُولُ لَا أُحِبُّ وَيُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ وَكَذَا أَكْرَهُ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَقُولَ أُحِبُّ وَيَسْتَعْمِلهُ فِي الْوَاجِبِ لَكِنْ إنَّمَا يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَرِينَةٍ مِنْ كَلَامٍ آخَر أَوْ قَاعِدَةٍ لَهُ لَا مُطْلَقًا فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَنْ أَطْلَقَهُ.
(ثَانِيهِمَا) أَنَّ حَدِيثَ الْبُخَارِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِخُصُوصِ النِّزَاعِ بَلْ نَحْنُ وَهُوَ قَائِلُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَعِيدِ لِمَنْ أَخَذَ شَيْئًا يُرِيدُ إتْلَافَهُ عَلَى مَالِكِهِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا بِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ أَمْ لَا فَذِكْرُ الْمُفْتِي لَهُ إنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ زَجْرِ أُولَئِكَ الْمَذْكُورِينَ فِي السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ الْقَبِيحِ الْمَحْكِيِّ عَنْهُمْ (ثَالِثُهَا) قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَيْهِ فِيهِ مُؤَاخَذَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ لَمْ يَذْكُرْ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُفْتِي وَهِيَ التَّمْلِيكُ وَالْعِتْقُ وَالْوَقْفُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَسَتَأْتِي عِبَارَتُهُ وَقَدْ صَرَّحَ الْأُصُولِيُّونَ فِي حُكْمِ الْمَقِيسِ وَلَوْ بِالْأَوْلَى بِأَنَّهُ لَا يُقَالُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْفُقَهَاءُ فِي الْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ بِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَّا مُقَيَّدًا وَحِينَئِذٍ فَكَانَ صَوَابُ الْعِبَارَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الصَّدَقَةِ وَقِيَاسُهُ أَنَّ التَّمْلِيكَ وَالْعِتْقَ وَالْوَقْفَ وَغَيْرَهَا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ كَذَلِكَ (رَابِعُهَا) ابْنُ الرِّفْعَةِ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا اقْتِضَاءُ كَلَامُهُ فِي مَطْلَبِهِ وَكِفَايَتِهِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ أَنَّ تَخْرِيجَ مَسْأَلَةٍ عَلَى أُخْرَى فِي خِلَافِهَا يَقْتَضِي اتِّحَادَهُمَا فِي الرَّاجِحِ مِنْ ذَلِكَ الْخِلَافِ وَمُرَادُنَا بِكَوْنِ الْغَالِبِ ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَكْثَرُ مَعَ كَثْرَةِ مُقَابِلِهِ لَا أَنَّ مُقَابِلَهُ نَادِرٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيّ فِي رَفْعِ الْحَاجِبِ رُبَّ فَرْعٍ لِأَصْلٍ ذَلِكَ الْأَصْلُ يَظْهَرُ فِي الْحُكْمِ أَقْوَى مِنْ ظُهُورِهِ فِيهِ لِانْتِهَاضِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا تَرَى الْأَصْحَابَ كَثِيرًا مَا يُصَحِّحُونَ فِي الْمَبْنِيِّ بِخِلَافِ مَا يُصَحِّحُونَهُ