كَوْنِ الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْوَافِرِ وَكَمَالِ النَّظَرِ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مَشْهُودٌ بِذَلِكَ وَهَلْ يَقْتَضِي صِحَّةُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَوْضَتِهِ وَلَوْ بَاعَ الْمَاءَ مَعَ قَرَارِهِ نُظِرَ إنْ كَانَ جَارِيًا فَقَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْقَنَاةَ مَعَ مَائِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا وَقُلْنَا الْمَاءُ لَا يُمَلَّكُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْقَرَارِ قَوْلًا تَفْرِيق الصَّفْقَةِ.

وَقَوْلُهُ بَعْد ذَلِكَ بِنَحْوِ أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ وَلَوْ بَاعَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الْبِئْرِ أَوْ الْقَنَاةِ جَازَ مَا يَنْبُعُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَمْ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ صِحَّةَ مَا ذَكَر وَإِذَا قُلْتُمْ أَنَّ قَوْلَهُ وَفِي الْقَرَارِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ يُرَجِّحُ صِحَّةَ بَيْعِ الْقَرَارِ فَقَطْ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُسْتَحِقًّا لِلْمَاءِ النَّابِعِ بِهِ لِكَوْنِهِ نَابِعًا فِي مِلْكِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَأَيْضًا فَهَلْ التَّعْبِيرُ فِي مَكْتُوبِ الشِّرَاءِ عَنْ الْحِصَّةِ الْمَبِيعَةِ مِنْ الْقَرَارِ بِقَوْلِهِ الْحِصَّةُ السَّقِيَّةُ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الْفُلَانِيَّةِ مُخْلٍ بِالتَّبَايُعِ أَوْ بِالْحُكْمِ بِهِ أَمْ غَيْرِ مُخْلٍ بِذَلِكَ لِإِمْكَانِ تَأْوِيلِهَا بِمَا يُصَحِّحُهَا؟

(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ اُسْتُفْتِيَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ نَفْسُهُ بِشَيْءٍ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْجَمَّالَ بْنَ ظَهِيرَةَ قَالَ فِي سُؤَالِهِ لَهُ الْعُيُونُ الَّتِي بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ لَا يُعْرَفُ الَّذِي يَنْبُعُ مِنْهَا غَالِبًا وَإِنَّمَا يَجْرِي فِي مَجَارٍ إلَى أَنْ يَبْرُزَ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي يُسْقَى مِنْهَا وَيَتَبَايَعُونَهُ بِاللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ يَشْتَرِي الشَّخْصُ مِنْ آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ إلَى اللَّيْلِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا وَيَمْلِكُهُ.

ثُمَّ قَالَ السَّائِلُ بَعْدَ أَسْطُرٍ وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِأَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ اشْتَرَى فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ سَاعَةً مِنْ قَرَارِ كَذَا فَهَلْ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ أَمْ لَا؟

فَأَجَابَ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَطَالَ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُصَرِّحْ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ الثَّانِي بِشَيْءٍ يَخُصُّهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْتُهَا الْآنَ وَإِنَّمَا أَجَابَ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ فَرْضِهِ الْكَلَامَ فِي مِلْكِ مَحَلِّ النَّبْعِ وَالْمَجْرَى وَأَمَّا شِرَاءُ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ أَوْ اللَّيْلِ فَهَذَا لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَبَعْدَ فَرْضِهِ الْكَلَامَ فِي مِلْكِ الثَّانِي فَقَطْ إذَا صَدَرَ بَيْعٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الْمَاءِ الْكَائِنِ فِي الْأَرْضِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْأَصْلَ الَّذِي يَنْبُعُ مِنْهُ غَالِبًا جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَالتَّبَايُعُ الْوَاقِعُ بِاللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ كُلُّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكًا لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْمَاءَ يُمْلَكُ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَا سَبَبٌ يَقْتَضِي مِلْكَ الْمَاءِ اهـ فَهُوَ مُطْلَقٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْمَاءِ الْمُقَدَّرِ بِسَاعَةٍ مَثَلًا وَغَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِخُصُوصِ مَا إذَا بِيعَتْ سَاعَةً مَثَلًا مِنْ قَرَارِ كَذَا وَإِنْ أَكَّدَ بِكُلٍّ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُ بَعْدَهَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْمَاءُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْمِقْدَارِ وَهَذَا الْفَرْضُ الْمَخْصُوصُ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْمِقْدَارِ وَالزَّمَانِ مَعًا فَمَا الْمُعْتَبَرُ مِنْهُمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ فَلَمْ يُجِبْ عَنْ هَذَا الْخُصُوصِ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا أُجِيبَ بِكَلَامٍ مُطْلَقٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَعَلَى تَسْلِيمِ شُمُولِهِ لَهُ فَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ بَعْدَ مِنْ. أَيْ: مِنْ مَاءِ كَذَا إذْ لَا يَظْهَرُ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي هَذَا الْفَرْضِ الْمَخْصُوصِ إلَّا بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ الْمُضَافِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ إذْ اللَّفْظُ كَمَا يُحْتَمَلُ تَقْدِيرُهُ فَيَبْطُلُ يُحْتَمَلُ عَدَمُ تَقْدِيرِهِ وَارْتِكَابُ مَجَازٍ فِيهِ فَيَصِحُّ بِأَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مِنْ قَرَارِ عَيْن كَذَا لِأَنَّ مِنْ هُنَا لَلتَّبْعِيضِ لَا غَيْرُ كَمَا لَا يَخْفَى.

وَمِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ صَرِيحَةٌ فِي اتِّحَادِ مَا قَبْلَهَا مَعَ مَا بَعْدَهَا مَفْهُومًا وَحَقِيقَةً فَهُوَ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءُ إذْ لَا يُقَالُ سَاعَةٌ مِنْ مَحَلِّ كَذَا إلَّا بِارْتِكَابِ ذَلِكَ التَّجَوُّزِ وَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ تَصْحِيحِ لَفْظٍ بِتَجَوُّزٍ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ وَإِبْطَالِهِ بِتَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ كَانَ تَصْحِيحُهُ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ احْتِمَالَ الصِّحَّةِ مُقَدَّمٌ عَلَى احْتِمَالِ الْبُطْلَانِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَاعِدَة أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ غَالِبًا عَمَلًا بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ وَإِنْ كَانَتْ خِلَافَ الْأَصْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى مِنْ الْإِضْمَارِ عَلَى قَوْلٍ قَالَ بِهِ كَثِيرُونَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015