وَغَيْرُهُ وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا مِنْ تَفَرُّدِ الْقَمُولِيِّ فَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّ دَمَ الْقِرَانِ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْتِزَامِهِ بَلْ بِفِعْلِهِ يُرَدُّ بِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا بَلْ يَجِبُ بِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَكَلَامُهُمْ يُشْعِرُ بِأَنْ لَا دَمَ عَلَيْهِ لِلْعُدُولِ أَيْ عَنْ الْقِرَانِ أَوْ التَّمَتُّعِ إلَى الْإِفْرَادِ قَالَ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا وَهُوَ ظَاهِرٌ اكْتِفَاءً بِالدَّمِ الْمُلْتَزَمِ مَعَ كَوْنِ الْأَفْضَلِ الْمَأْتِيِّ بِهِ مِنْ جِنْسِ الْمَنْذُورِ وَبِهَذَا كُلِّهِ فَارَقَ لُزُومَهُ بِالْعُدُولِ مِنْ الْمَشْيِ إلَى الرُّكُوبِ.
وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ جَامَعَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا ثُمَّ أَفْرَدَ فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُ الدَّمَ بِعُدُولِهِ إلَى الْإِفْرَادِ بِأَنَّهُ ثَمَّ تَلَبُّسٌ بِمُوجِبِ الدَّمِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا فَلَمْ يُفِدْهُ الْعُدُولُ بِخِلَافِهِ هُنَا انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ فَإِنْ قُلْت ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّيْخِ وَهُوَ ظَاهِرٌ اكْتِفَاءً بِالدَّمِ الْمُلْتَزَمِ مَعَ كَوْنِ الْأَفْضَلِ إلَخْ وُجُوبُ الدَّمِ فِي مَسْأَلَتِنَا لِلْعُدُولِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلُ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ دَمًا يُغْنِي عَنْهُ قُلْت مَسْأَلَتُنَا انْتَفَى فِيهَا دَمُ الْعُدُولِ لِمَعْنَى آخَرَ هُوَ أَنَّ فِيهَا جَابِرًا لِلْعُدُولِ وَهُوَ النُّسُكُ الْمَزِيدُ عَلَى مَا نَذَرَهُ كَمَا أَنَّ فِي الْعُدُولِ عَنْ الْقِرَانِ أَوْ التَّمَتُّعِ إلَى الْإِفْرَادِ جَابِرًا هُوَ الدَّمُ الْمُلْتَزَمُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُدُولَ عَنْ الْمُلْتَزَمِ فِيهِ الدَّمُ إلَّا أَنْ يَخْلُفَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ فِي مَسْأَلَتِنَا زِيَادَةُ نُسُكٍ آخَرَ وَفِي تِلْكَ الدَّمُ الْمُلْتَزَمُ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَمَسْأَلَةِ الْعُدُولِ عَنْ الْمَشْيِ إلَى الرُّكُوبِ لِأَنَّ الرُّكُوبَ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلُ إلَّا أَنَّهُ لَا جَابِرَ فِيهِ بَلْ فِيهِ تَفْوِيتُ مَشَقَّةٍ مَقْصُودَةٍ مِنْ نَذْرِ الْمَشْيِ لِتَعْظِيمِ ثَوَابِهِ وَمِنْ ثَمَّ فَضَّلَهُ عَلَى الرُّكُوبِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فَحِينَئِذٍ جَبَرَهُ الْأَئِمَّةُ بِالدَّمِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا فَتَأَمَّلْهُ.
فَإِنْ قُلْت قِيَاسُ مَا مَرَّ أَنَّ مَنْ نَذَرَ قِرَانًا فَتَمَتَّعَ أَوْ عَكْسه لَزِمَهُ دَمَانِ دَمٌ لِلْمُلْتَزِمِ وَآخَرُ لِمَا فَعَلَهُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ وَمَسْأَلَتُنَا قُلْت الْفَرْقُ وَاضِحٌ فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ دَمًا مُلْتَزَمًا بِالنَّذْرِ وَدَمًا مُلْتَزَمًا بِالْفِعْلِ وَمَسْأَلَتُنَا لَيْسَ فِيهَا دَمٌ مُلْتَزَمٌ بِالنَّذْرِ وَهَذَا وَاضِحٌ وَأَمَّا الْفِعْلُ فَإِنْ اقْتَضَى دَمًا كَالتَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ وَجَبَ دَمُهُ وَإِلَّا كَالْإِفْرَادِ فَلَا فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا بِأَنَّ الرُّكُوبَ مَعَ كَوْنِهِ أَفْضَلُ يَأْثَمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرِ نَاذِرِ الْمَشْيِ فَقِيَاسُهُ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ الْإِثْمُ بِكُلٍّ مِنْ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلُ قُلْت قَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْته آنِفًا أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ فَوَاتُ الْمَشَقَّةِ الْمَقْصُودَةِ فِي الْمَشْيِ بِالرُّكُوبِ لَا إلَى بَدَلٍ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مِنْ اسْتِشْكَالِ جَمْعٍ أَنَّ الرُّكُوبَ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ إلَّا إنْ قُلْنَا بِأَفْضَلِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْمَشْيِ يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَإِنْ قُلْنَا بِمَفْضُولِيَّتِهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَشْيَ مَقْصُودٌ وَأَفْضَلِيَّةُ الرُّكُوبُ إنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ الِاتِّبَاعِ وَمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ تَحَمُّلِ الْمُؤْنَةِ فِي الْعِبَادَةِ وَإِيضَاحُهُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَتْ النَّفْسُ تَمِيلُ لِلرُّكُوبِ طَبْعًا كَانَ الْتِزَامُهَا لَهُ وَتَحَمُّلُهَا لِمُؤْنَتِهِ مُحْتَمَلٌ أَنَّهُ لِإِيثَارِ رَاحَتِهِ وَأَنَّهُ لِأَفْضَلِيَّتِهِ فَلَمَّا تَرَدَّدَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنِ الْجَزْمُ بِلُزُومِهِ إلَّا إنْ قِيلَ بِأَفْضَلِيَّتِهِ وَأَمَّا الْمَشْيُ فَإِنَّهَا تَنْفِرُ عَنْهُ طَبْعًا أَيْضًا فَلَمْ يَكُنِ الْتِزَامُهُ إلَّا لِكَسْرِ نَفْسِهِ وَإِيثَارِ ثَوَابِهِ فَلَزِمَ وَإِنْ قُلْنَا بِمَفْضُولِيَّتِهِ.
فَإِنْ قُلْت فَلِمَ وَجَبَ الدَّمُ فِي الْمَشْيِ الْبَدَلُ عَنْ الرُّكُوبُ قُلْت لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْأَفْضَلِيَّةِ الْمَقْصُودَةِ شَرْعًا وَإِنْ كَانَ أَشُقُّ فَإِنْ قُلْت فَهَلْ فِيهِ إثْمٌ أَيْضًا قُلْت الْقِيَاسُ نَعَمْ نَظَرًا لِذَلِكَ التَّفْوِيتِ وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ جَارٍ نَظِيرُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ أَفْضَلُ وَأَشَقُّ مِنْ مُجَرَّدِ الْحَجِّ فَجَازَ كُلٌّ مِنْ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ وَأَجْزَأَ مِنْ غَيْرِ دَمٍ نَظَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ نُسُكٍ وَمَشَقَّةٍ عَلَى الْحَجِّ الْمُلْتَزَمِ وَمِنْ الْأَفْضَلِيَّةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ بِوَجْهٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى فَوَّتَ بِالْعُدُولِ الْأَفْضَلِيَّةَ فَالدَّمُ وَالْإِثْمُ وَمَتَى لَمْ يُفَوِّتْهَا بِأَنْ أَتَى بِالْأَفْضَلِ فَإِنْ فَوَّتَ مَشَقَّةً مَقْصُودَةً فَالدَّمُ وَالْإِثْمُ وَإِلَّا فَلَا.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ قَالَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَوْ حَلَّ الْحَلْقُ لِلْمُحْرِمِ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ فَهَلْ يُفْعَلُ عَنْهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا مَكْرُوهٌ لَكِنْ فِي الْأَسْنَى وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ إذَا مَاتَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ لِيَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُحْرِمًا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِانْقِطَاعِ تَكْلِيفِهِ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ حَلْقٌ وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافٌ أَوْ سَعْيٌ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذُكِرَ عَنْ الْإِسْعَادِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَعِبَارَتُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَ