مَكَّةَ الشَّرِيفِ بَرَكَاتِ بْنِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَنَّ عُلَمَاءَ مِصْرَ وَمَكَّةَ اسْتَفْتَوْا فِيهَا فَاخْتَلَفُوا وَأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَآخَرُونَ فَسُرِرْت لِذَلِكَ إنْ صَحَّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا لَفْظُهُ مَا وَجْهُ أَفْضَلِيَّةِ التَّأْخِيرِ لِثَالِثِ مِنًى مَعَ أَنَّ الْآيَةَ مُخَيِّرَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعْجِيلِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ وَجْهُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ أَمَّا الْآيَةُ فَلِأَنَّ فِيهَا التَّعْبِيرَ بِالتَّعْجِيلِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْعَجَلَةِ الْمَذْمُومِ جِنْسُهَا {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] فَكَانَ فِيهِ نَوْعُ إشْعَارٍ بِتَقْدِيمِ الشَّيْءِ عَلَى وَقْتِهِ الْأَصْلِيِّ أَوْ الْفَاضِلِ وَكَأَنَّ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ السَّبَبُ عَنْ الْعُدُولِ عَمَّا يَقْتَضِيه نَظْمُ الْآيَةِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالتَّقْدِيمِ لِأَنَّهُ الْمُقَابِلُ لِلتَّأْخِيرِ الْمَذْكُورِ فِيهَا فَلَمَّا كَانَ التَّقْدِيمُ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى بَلْ رُبَّمَا أَفَادَهُ ضِدُّهُ مِنْ الْمُبَادَرَةِ لِلْعِبَادَةِ فَيَكُونُ أَفْضَلُ لَمْ يَحْسُنْ الْإِتْيَانُ بِهِ وَإِنْ اقْتَضَتْهُ الْمُقَابِلَةُ بَلْ بِالتَّعْجِيلِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ مَفْضُولٌ وَأَنَّ التَّأْخِيرَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ لِمَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ تَعْرِضُ لَهُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلِأَنَّهُ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَنْفِرْ النَّفْرَ الْأَوَّلَ بَلْ مَكَثَ فِي مِنًى إلَى أَنَّ نَفَرَ النَّفْرُ الثَّانِي وَمِنْ ثَمَّ أَخَذَ أَئِمَّتُنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مُتَوَلِّي أَمْرِ الْحَاجِّ أَنْ يَنْفِرَ بِهِمْ النَّفْرَ الثَّانِي إلَّا لِعُذْرٍ كَغَلَاءٍ وَخَوْفٍ
(وَسُئِلَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ قَالَ إنَّ حَدِيثَ «الْبَاذِنْجَانُ لِمَا أُكِلَ لَهُ» أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مَاءِ زَمْزَمَ هَلْ هُوَ مُصِيبٌ أَوْ مُخْطِئٌ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الْحُفَّاظُ كَالْبَدْرِ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ هُوَ مُخْطِئٌ أَشَدَّ الْخَطَإِ وَمَا قَالَهُ خَطَأٌ قَبِيحٌ فَإِنَّ حَدِيثَ الْبَاذِنْجَانِ كَذِبٌ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ بِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَالذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ وَغَيْرُهُمَا وَحَدِيثُ زَمْزَمَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قِيلَ صَحِيحٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ بِإِسْنَادٍ قَالَ فِيهِ الْحَافِظُ شَرَفُ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ إنَّهُ عَلَى رَسْمِ الصَّحِيحِ وَقِيلَ حَسَنٌ وَقِيلَ ضَعِيفٌ فَأَدْنَى دَرَجَاتِهِ الضَّعْفُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ فِي حَدِّ الْوَضْعِ وَقَدْ أَطَالَ النَّفَسَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ زَمْزَمَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْأَذْكَارِ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ صَحَّحَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ قَالَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ حَسَنٌ لِشَوَاهِدِهِ ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طُرُقٍ ثُمَّ قَالَ وَلَهُ شَوَاهِدُ أُخَرُ مَرْفُوعَةٌ وَمَوْقُوفَةٌ تَرَكْتهَا خَشْيَةَ الْإِطَالَةِ وَلِمَا نَظَرَ الْمُنْذِرِيُّ وَالدِّمْيَاطِيُّ إلَى كَثْرَةِ شَوَاهِدِهِ مَعَ جُودَةِ بَعْضِ طُرُقِهِ حَكَمَا لَهُ بِالصِّحَّةِ وَوَرَدَ هَذَا اللَّفْظُ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ مَوْقُوفًا بِسَنَدٍ حَسَنٍ لَا عِلَّةَ فِيهِ وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ خَبَرِ «مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَشَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ» مَنْ رَوَاهُ وَمَا حُكْمُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي فَضَائِلِ مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ
(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ هَلْ وَرَدَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ حَجُّوا الْبَيْتَ إلَّا هُودًا وَصَالِحًا لِتَشَاغُلِهِمَا بِأَمْرِ قَوْمِهِمَا حَتَّى قَبْضِهِمَا وَمَنْ حَلَقَ رَأْسَ آدَمَ لَمَّا حَجَّ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوَّلُ رَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمُبْتَدَإِ وَابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ وَرَوَى الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ جِبْرِيلَ حَلَقَ رَأْسَ آدَمَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِين حَجَّ بِيَاقُوتَةٍ مِنْ الْجَنَّةِ
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ إلَيَّ» وَفِي رِوَايَةٍ «عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» مَا الْجَوَابُ عَنْهُ مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى حَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ وَهَلْ عَلَى تَفْسِيرِ الرُّوحِ بِالنُّطْقِ الَّذِي قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ اعْتِرَاضٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ بَيَانِ مَا فِيهِ ذَكَرْته فِي كِتَابِي الْجَوْهَرُ الْمُنَظَّمُ فِي زِيَارَةِ الْقَبْرِ الْمُكَرَّمِ وَكِتَابِي الدُّرُّ الْمَنْضُودُ فِي الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى صَاحِبِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ وَحَاصِلُ الْأَجْوِبَةِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ فَيُقَدَّرُ فِيهَا قَدْ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي وُقُوعِ الْمَاضِي حَالًا فَيَكُونُ الرَّدُّ سَابِقًا عَلَى السَّلَامِ الْوَاقِعِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَحَتَّى