مَغْصُوبٍ ثُمَّ قَالَ وَقِسْ عَلَى هَذَا مَا يُشْبِهُهُ فَمَا الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ حُرْمَةَ مُكْثِ نَحْوِ الْجُنُبِ إنَّمَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَسْجِدًا الْمُشْتَرَطُ فِي الِاعْتِكَافِ فَلَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَوْرَدْت فَإِنَّهَا لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ كَوْنُهُ لَيْسَ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لَا لِأَجَلِ كَوْنِهِ مَسْجِدًا وَنَظِير ذَلِكَ عَدَمُ إجْزَاءِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ الَّذِي لَبِسَهُ الْمُحْرِمُ بِخِلَافِ الْخُفِّ الَّذِي مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَرَامٌ مِنْ حَيْثُ اللُّبْسُ الَّذِي لَا يَتَحَقَّقُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ حُرْمَتَهُ لِلِاسْتِعْمَالِ الْأَعَمِّ لِحُصُولِهِ بِاللُّبْسِ وَغَيْرِهِ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيمَا وُقِفَ جُزْؤُهُ شَائِعًا مَسْجِدًا وَيَحْرُمُ الْمُكْثُ فِيهِ عَلَى الْجُنُبِ مَثَلًا وَإِذَا دَخَلَهُ مُتَطَهِّرٌ سُنَّ لَهُ صَلَاةُ التَّحِيَّةِ فَمَا الْفَرْقُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ يُفَرَّقُ بَعْدَ تَسْلِيمِ سَنِّ التَّحِيَّةِ لَهُ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ بِأَنَّ الْمَدَارَ فِي حُرْمَةِ مُكْثِ الْجُنُبِ عَلَى مُمَاسَّتِهِ لِجُزْءٍ مِنْ الْمَسْجِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِحُرْمَتِهِ حِينَئِذٍ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ فَحَرَّمُوا الْمُكْثَ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ خِلَافًا لِلْبَارِزِيِّ وَفِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ عَلَى خُلُوصِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ.
وَأَيْضًا فَاخْتِصَاصُ الِاعْتِكَافِ بِالْمَسْجِدِ إنَّمَا هُوَ لِمَزِيدِ تَعْظِيمِهِ وَحَيْثُ صَحَّ مَعَ مُمَاسَّةِ غَيْرِهِ كَانَ فِيهِ إخْلَالٌ بِذَلِكَ التَّعْظِيمِ فَرُوعِيَ الْإِخْلَالُ بِالْحُرْمَةِ ثَمَّ وَالْإِخْلَالُ بِالتَّعْظِيمِ هُنَا. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ عَدَمِ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ وَنَدْبِ التَّحِيَّةِ لِدَاخِلِهِ بِأَنَّهُ قَدْ مَاسَّ جُزْءًا مِنْ الْمَسْجِدِ فَيُسَنُّ لَهُ تَحِيَّةُ ذَلِكَ الْجُزْءِ الَّذِي مَاسَّهُ مُبَالَغَةً فِي تَعْظِيمِهِ، وَإِشَارَةً إلَى أَنَّ مُمَاسَّةَ غَيْرِهِ لَا تُؤَثِّرُ فِيمَا طُلِبَ لَهُ مِنْ مَزِيدِ التَّعْظِيمِ. وَلَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ لَكَانَ مُعْتَكِفًا فِي جُزْءٍ غَيْرِ مَسْجِدٍ وَفِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالتَّعْظِيمِ مَا مَرَّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيمَا إذَا صَلَّى التَّحِيَّةَ أَنَّهُ صَلَّاهَا لِجُزْءٍ غَيْرِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ أَمْرٌ حِسِّيٌّ فَلَا يُمْكِنُ تَخْصِيصُهُ بِالْمَسْجِدِ مَعَ مُمَاسَّةِ بَدَنِهِ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَخْصِيصُهَا بِالْجُزْءِ الَّذِي هُوَ مَسْجِدٌ دُونَ غَيْرِهِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته فِيمَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ الْمُعْتَكِفُ إحْدَى رِجْلَيْهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا ضُرَّ عَلَى الْأَوْجَهِ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ.
(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ بِمَا لَفْظُهُ رَأَيْت فِي بَعْضِ التَّعَالِيقِ مَنْسُوبًا لِلْإِمَامِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ قَالَ لَوْ وَقَفَ جِذْعًا لِلِاعْتِكَافِ حُرِّمَ الْمُكْثُ عَلَيْهِ وَكَذَا السَّجَّادَةُ اهـ كَلَامُهُ هَلْ قَوْلُهُ صَحِيحٌ مُؤَيَّدٌ بِكَلَامِهِمْ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا نُقِلَ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ كَلَامٌ مُظْلِمٌ إذْ لَمْ يُبَيَّنْ كَيْفِيَّةَ وَقْفِ الْجِذْعِ لِلِاعْتِكَافِ وَلَا مَحَلَّ ذَلِكَ الْجِذْعِ، وَقَوْلُ الْمُعَلِّقِ وَكَذَا السَّجَّادَةُ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَكُلُّ ذَلِكَ تَأْبَاهُ جَلَالَةُ الْبُلْقِينِيُّ وَإِنَّمَا مَسْأَلَةُ السَّجَّادَةِ كَانَتْ نُقِلَتْ عَنْ شَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ وَقَفَ سَجَّادَتَهُ مَسْجِدًا فَكَانَ يَنْوِي الِاعْتِكَافَ عَلَيْهَا فِي سَفَرِهِ لِلْحَجِّ تَقْلِيدًا لِوَجْهٍ ضَعِيفٍ يَرَى صِحَّةَ وَقْفِ الْمَنْقُولِ مَسْجِدًا.
هَذَا مَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ وَقَدْ تَتَبَّعْنَاهُ فَلَمْ نَرَهُ صَحَّ عَنْهُ أَصْلًا وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُلْقَى بَيْنَ بَعْضِ الطَّلَبَةِ لِاسْتِغْرَابِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا فِي التَّعَالِيقِ الَّتِي لَا يُعْلَمُ حَالُ كَاتِبِهَا أَوْ يُعْلَمُ حَالُهُ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِالْعِلْمِ أَوْ الْعَدَالَةِ وَكَمْ مِنْ تَعَالِيقَ يَقَعُ فِيهَا غَرَائِبُ يَرَاهَا بَعْضُ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْقَوَاعِدَ فَيَزِلَّ بِهَا قَدَمُهُ وَيَطْغَى بِنَقْلِهَا قَلَمُهُ نَعَمْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ بَنَى فِي مِلْكِهِ مَسْطَبَةً أَوْ أَثْبَتَ فِيهِ خَشَبًا جَازَ لَهُ وَقْفُهُ مَسْجِدًا عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ مُثْبِتٌ فَهُوَ فِي حُكْمِ وَقْفِ الْعُلْوِ دُونَ السُّفْلِ مَسْجِدًا وَهُوَ صَحِيحٌ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَتَّعَ بِحَيَاتِهِ عَنْ شَخْصٍ جُوعِلَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ عَنْ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ بِكَذَا فَأَخْبَرَ الْجَعِيلُ بِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ عَنْ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ الَّذِي جُوعِلَ لِأَجَلِهِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ وَقَفَ عَنْهُ بِعَرَفَةَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ بِحُضُورِهِ فِي عَرَفَةَ فِي وَقْتِ الْوُقُوفِ فِي مَسْأَلَةِ الْجِعَالَةِ دُونَ الْإِجَارَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ أَكَابِرِ فُقَهَاءِ الْيَمَنَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِعَالَةِ دُونَ الْإِجَارَةِ فَارِقًا بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْجِعَالَةِ بِفُرُوقٍ أَمْ يَجِبُ