وَجَبَ إخْفَاؤُهُ لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ لِمَخَافَتِهِ وَعُقُوبَتِهِ ثُمَّ رَأَيْت النَّوَوِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرَهُ ذَكَرُوا عَنْ الْقَفَّالِ وَاعْتَمَدُوهُ: أَنَّ لِزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ إذَا أَخْبَرَهَا عَدْلٌ بِمَوْتِهِ أَنْ تَتَزَوَّجَ فِيمَا بَيْنهَا وَبَيْن اللَّهِ تَعَالَى.
وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا تَقَرَّرَ مِنْ جَوَازِ الْفِطْرِ لِمَنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِدُخُولِ شَوَّال بَلْ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَاكَ حَقٌّ آدَمِيٌّ وَيَتَعَلَّقُ بِالْأَبْضَاعِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَزِيدِ احْتِيَاطٍ، وَقَاطِع لِلْعِصْمَةِ الَّتِي الْأَصْلُ بَقَاؤُهَا وَمَعَ ذَلِكَ أَثَر خَبَرِ الْعَدْلِ فِيهِ فَمَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى وَلَا نَظَرَ لِمَا تُوُهِّمَ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا أَثَرٌ ثُمَّ لِئَلَّا يَطُول ضَرَرُهَا وَانْتِظَارُهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ قَدْ يَعْسُرُ إثْبَاتُهُ لِأَنَّ إطْلَاقَهُمْ تَأْثِيرِهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نَظَرِهِمْ لِخُصُوصِ ذَلِكَ وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا مِنْ شَأْنِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، أَمَّا فِي الْمَوْتِ فَوَاضِحٌ إذْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ يَعْسُرُ إثْبَاتُهُ، وَأَمَّا التَّضَرُّرُ فِيمَا ذُكِرَ فَلَمْ يُعَوِّلُوا عَلَيْهِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ كَمَا فِي انْقِطَاع الدَّمِ لِعَارِضٍ، وَالْغِيبَةِ مَعَ جَهْل يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا حِينَئِذٍ الْفَسْخُ مَعَ تَضَرُّرِهَا بِمَا لَا يُطَاق.
وَلَا نَظَرَ أَيْضًا لِاتِّهَامِ الرَّائِي فِي إخْبَارِهِ بِذَلِكَ لِجَرِّهِ جَوَازَهُ الْفِطْرَ لِنَفْسِهِ،؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَذَا الْجَرِّ إنْ سَلِمَ وَإِلَّا فَلَا جَرَّ؛ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِنَفْسِهِ يَلْزَمُهُ الْفِطْرُ سَوَاءً قُلْنَا يُعْمَلُ بِخَبَرِهِ أَمْ لَا فَلَا تُهْمَةَ أَصْلًا فَإِفْتَاءُ بَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ بِإِطْلَاقِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ نَظَرًا لِذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا تَقَرَّرَ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْتُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ أَنَّ لِلْحَاسِبِ وَالْمُنَجِّمِ الْعَمَلُ بِحِسَابِهِمَا فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فَإِذَا جَازَ لَهُمَا الْعَمَلُ بِهِ فِي الْفِطْرِ فَلَأَنْ يَجُوزَ بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِإِخْبَارِ الْعَدْلِ لِمَا مَرَّ بِالْأَوْلَى وَتَخْصِيصُ بَعْضِهِمْ جَوَازُ الْعَمَلِ لَهُمَا بِالصَّوْمِ يَرُدُّهُ عِبَارَةُ الشَّيْخَيْنِ كَمَا يُعْلَمُ بِنَظَرِهَا وَتَصْرِيحُ الْأَصْحَابِ كَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ شَوَّالًا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ لَا الرِّوَايَةِ، مَفْرُوضٌ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِهِمْ فِي ثُبُوتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِعُمُومِ النَّاسِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ. وَبِهَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمَدَارَ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ بِالنِّسْبَةِ لِسَائِرِ النَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ بِالثُّبُوتِ عِنْد الْحَاكِمِ وَهُوَ بِعَدْلٍ فِي الصَّوْمِ وَبِعَدْلَيْنِ فِي الْفِطْرِ أَوْ بِعَدَدِ التَّوَاتُرِ وَبِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى الرُّؤْيَةِ أَوْ الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ بِإِخْبَارِ عَدْلٍ أَوْ فَاسِقٍ وَقَعَ فِي الْقَلْبِ صِدْقُهُ أَوْ بِقَرِينَةٍ لَا تَتَخَلَّفُ عَادَةً كَالْقَنَادِيلِ السَّابِقِ ذِكْرُهَا وَكَرُقْعَةِ الْقَاضِي الْمَذْكُورَة آخِرَ السُّؤَالِ إذَا اسْتَحَالَ عَادَةً تَزْوِيرُهَا أَوْ نَحْوِهِ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ وَصَامَ عَنْهَا خَمْسَةً وَأَفْطَرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُتَعَدِّيًا هَلْ يَتَضَيَّقُ صَوْمُ الْخَمْسَةِ كُلِّهَا أَوْ يَوْمٍ وَاحِدٍ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ السَّائِلِ مِمَّا ذَكَره أَنَّهُ شَرَعَ فِي الْقَضَاءِ فَفِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شُرُوعِهِ فِيهِ أَفْطَرَ ثُمَّ فِي ثَانِي يَوْمٍ أَفْطَرَ أَيْضًا وَهَكَذَا وَحِينَئِذٍ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ إنْ نَوَى بِكُلِّ يَوْمٍ شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ أَنَّهُ عَنْ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ مِمَّا عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْفَوْرُ فِي الْخَمْسَةِ،؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا وَقَعَ قَضَاءً مُسْتَقِلًّا عَنْ يَوْمٍ مُغَايِرٍ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ نَوَى أَنَّ الثَّانِيَ قَضَاءٌ عَنْ الْأَوَّلِ الَّذِي أَفْسَدَهُ وَهَكَذَا لَمْ يَلْزَمهُ الْفَوْرُ إلَّا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الْحَجِّ أَنَّهُ لَوْ تَكَرَّرَ إفْسَادُهُ لِلْقَضَاءِ الْمُتَعَدِّد لَمْ يَلْزَمهُ إلَّا قَضَاءٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِيمَنْ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ وَأَطْلَقَ قَضَاءً وَاحِدً أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ أَوَّلِ مَقْضِيَّةٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُ الْفَوْرُ إلَّا فِي قَضَاءٍ وَاحِدٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ شَرَعَ فِيهِ وَأَفْسَدَهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ كَوْنِهِ قَضَاءً عَنْ يَوْمٍ مَخْصُوصٍ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا لِلْأَوَّلِ فَهُوَ لَمْ يَتَكَرَّر مِنْهُ فَسَادٌ لِأَقْضِيَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ بَلْ لِقَضَاءٍ وَاحِدٍ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا مَعْنَى حَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَهُ» ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمَشْهُورُ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ أَنَّ أَجْرَ مُضَافٌ لِمَنْ الْمَوْصُولَةِ، وَأَمَّا تَنْوِينُهُ وَجَعْلُ مَنْ جَارَّةً فَقَدْ أَفْسَدَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ بِأَنَّهَا إمَّا بَعْضِيَّة وَالضَّمِيرُ لِلصَّائِمِ وَهُوَ مُنَافٍ لِلْأَخْبَارِ الْآتِيَة أَنَّ الْمُفْطِرَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ لَا بَعْضِهِ أَوْ الضَّمِير لِلتَّفْطِيرِ الْمَفْهُومِ مِنْ فَطَّرَ فَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ، وَإِمَّا سَبَبِيَّة وَالضَّمِيرُ لِلصَّائِمِ وَوَجْهُ فَسَادِهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُؤْجَرُ بِسَبَبِ عَمَلِ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يُؤْجَرُ بِسَبَبِ عَمَلِ نَفْسِهِ أَوْ لِلْمُفَطِّرِ لَمْ يَصِحَّ اعْتِلَاقُ مَا بَعْده بِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُهُ «مِنْ غَيْرِ