لِمَا وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ صَامَ أَكْثَرَهُ وَالْأَكْثَرِيَّة تَحْصُلُ بِزِيَادَةِ يَوْمٍ عَلَى النِّصْفِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَوْمُ كُلِّهِ سُنَّةٌ وَكَذَا صَوْمُ أَكْثَرِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقَعَ مِنْهُ صَوْمٌ بَعْدَ النِّصْفِ غَيْر مُتَّصِلٍ بِيَوْمِهِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ إذَا لَمْ يَتَّصِل بِيَوْمِ النِّصْفِ وَلَا وَافَقَ عَادَةً لَهُ أَوْ نَحْوِ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ حَرَامٌ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَيَحْصُلُ أَصْلُ الْأَكْثَرِيَّةِ بِزِيَادَةِ صَوْمِ يَوْمٍ عَلَى النِّصْفِ.
(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّته عَنْ الصَّائِمِ إذَا بَقِيَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ طَعَامٌ وَعَجَزَ عَنْ تَمْيِيزه وَمَجِّهِ وَجَرَى بِهِ رِيقُهُ إلَى بَاطِنِهِ وَقُلْتُمْ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ فَهَلْ ذَلِكَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ جَرَى بِهِ نَاسِيًا أَوْ عَالِمًا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَذَاكَ، وَإِنْ قُلْتُمْ عَدَم الْبُطْلَان مُخْتَصٌّ بِحَالَةِ النِّسْيَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فَرْقٌ بَيْن قُدْرَتِهِ عَلَى تَمْيِيزِهِ وَعَدَمِهَا إلَّا إذَا قُلْتُمْ إنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى تَمْيِيزه وَمَجِّهِ وَلَمْ يَمُجَّهُ وَجَرَى بِهِ رِيقُهُ إلَى بَاطِنِهِ أَوْ وُضِعَ فِي فِيهِ مَاءٌ عَبَثًا أَوْ لِسُكُونِ الْعَطَشِ فَسَبَقَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى بَاطِنِهِ أَنَّهُ يُفْطِرُ وَلَوْ كَانَ نَاسِيًا وَهُوَ غَيْر ظَاهِرٌ وَقَدْ يُقَال إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الصَّائِمَ لَا يُفْطِرُ بِالْأَكْلِ وَنَحْوِهِ نَاسِيًا وَأَيْضًا هَلْ الْمُرَادُ تَمْيِيزه مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ أَوْ تَمْيِيز مَا جَرَى مَعَ الرِّيقِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ بَيْن أَسْنَانِ الصَّائِمِ طَعَامٌ جَرَى بِهِ رِيقُهُ وَعَجَزَ عَنْ تَمْيِيزه وَمَجِّهِ لَمْ يُفْطِر بِابْتِلَاعِ رِيقِهِ الْمَخْلُوطِ بِهِ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ابْتِلَاعَهُ لِعُذْرِهِ وَلَوْ كَلَّفْنَاهُ عَدَمَ بَلْعِ رِيقِهِ لَشَقَّ فَسُومِحَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَوْ سَبَقَ مَاءٌ إلَى جَوْفِهِ مِنْ غَسْلِ تَبَرُّد أَوْ لِكَوْنِهِ جَعَلَهُ فِي فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ لَا لِغَرَضٍ أَفْطَرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِذَلِكَ نَعَمْ لَوْ وَضَعَ شَيْئًا فِي فِيهِ عَامِدًا وَابْتَلَعَهُ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِر كَمَا فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ تَمْيِيزُ الطَّعَامِ السَّابِقِ مِنْ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَمَتَى أَمْكَنَهُ تَمْيِيزُهُ مِنْ بَيْنِهَا فَلَمْ يَفْعَلْ وَابْتَلَعَ رِيقَهُ الْمَخْلُوطَ بِهِ أَفْطَرَ وَكَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ إلَى فَضَاءِ فَمِهِ فَابْتَلَعَ شَيْئًا مِنْهُ مَعَ رِيقِهِ أَوْ وَحْدَهُ لِتَقْصِيرِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَقَوْلِهِ وَأَيْضًا هَلْ الْمُرَاد إلَخْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) زَكَّى اللَّه أَعْمَالَهُ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى تَصْنِيف لِبَعْضِ أَهْلِ زَبِيدٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَقَعَ فِيهَا اخْتِلَافٌ طَوِيلٌ بَيْن مُفْتِيهمْ وَكِتَابَات مُتَعَدِّدَة مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَحَاصِلُهَا أَنَّ مَنْ أَخْبَرَهُ يَوْمَ ثَلَاثِينَ رَمَضَانَ عَدْلَانِ بِالْهِلَالِ وَاعْتَقَدَ صِدْقَهُمَا هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فَقَالَ جَمَاعَةٌ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ سِرًّا وَيُخْفِيه لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ لِعُقُوبَتِهِ الْحَاكِمُ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مُؤَلِّف الْكِتَابِ الْمَذْكُور وَشَيْخُهُ وَغَيْرهمَا وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ بِمَا زَعَمَ أَنَّهُ ظَاهِرُ نَصٍّ فِي الْأُمِّ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ وَمِمَّنْ كَتَبَ لَكِنْ بِاخْتِصَارٍ عَلَى التَّأْلِيفِ الْمَذْكُورِ شَيْخُ مُؤَلِّفِهِ وَغَيْرُهُ فَلَمَّا سَأَلَ شَيْخَنَا فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتَهُ فِي ذَلِكَ؟
(أَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَمْدًا لَك اللَّهُمَّ مُشْرِقَ شُمُوسِ الْآرَاءِ السَّدِيدَةِ بِسَمَاءِ الْأَفْكَارِ السَّعِيدَةِ وَمُغْدِقَ أَنْهَارِ الْإِجَادَةِ بِأَنْوَاءِ الْإِفَادَةِ أَنْ نَصَّبْت عَلَى كَوَاهِلِ الْفَضَائِلِ أَعْلَامَ أَهْلِ الْحَقِّ وَرَفَعْت بِأَيْدِي الْمَحَامِدِ أَلْوِيَةَ الثَّنَاءِ عَلَى مَنْ هُوَ بِهِمْ أَلْصَقُ حَمْدًا يَسْتَمْرِئُ أَخْلَاقَ التَّحْقِيقِ بِمَزِيدِهِ وَيَسْتَغْرِقُ أَفْرَاد الْإِبَانَةِ لِعَبِيدِهِ وَصَلَاةً وَسَلَامًا عَلَى مَنْ أُرْسِلَ بِالْحُجَّةِ الْقَاطِعَةِ لِغَوَائِلَ الْعِنَادِ وَالْمَحَجَّةِ السَّاطِعَةِ لِلْعِبَادِ وَالشَّرِيعَةِ الْبَيْضَاءِ وَالشِّرْعَةِ الْغَرَّاءِ دَائِمِينَ أَمَدًا سَرْمَدًا وَعَلَى آلِهِ ذَوِي الْجِدِّ السَّعِيدِ وَالسَّعْدِ الْجَدِيدِ وَصَحْبِهِ ذَوِي الْقَدِّ الْحَمِيدِ وَالْحَمْدِ الْعَدِيدِ مَا قَامَ بِنُصْرَةِ الْحَقِّ لِلَّهِ نَاصِرٌ، وَذَبَّ عَنْهُ أَهْلُ الْعِنَاد بِكُلِّ صَارِمٍ بَاتِرٍ. أَمَّا بَعْد فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَتْ أَنْدِيَةُ التَّحْقِيقِ بِأَعْيَانِ الْأَفَاضِلِ لَمْ تَزَلْ حَافِلَةً وَمَغَانِيهَا بِغَوَانِي الْفَضَائِلِ آهِلَةً كَانَ الرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ خَيْرًا مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ وَالتَّحَلِّي بِحِلْيَةِ أَهْلِ الصِّدْقِ خَيْرًا مِنْ التَّحَلِّي بِكُلِّ وَصْفٍ زَائِلٍ وَجِدَالٍ لَيْسَ تَحْتَهُ مِنْ طَائِلٍ وَتَفَيْهُقٍ بِمَا لَا يُجْدِي مِنْ التَّلْفِيقَاتِ وَتَمَشْدُقٍ بِمَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْعِبَارَاتِ.
فَلِذَلِكَ أَجَبْت مَعَ أَنَّ لِي أَشْغَالًا سِيَّمَا الْآن تَحْجِزنِي عَنْ بُلُوغِ مَغْزَى هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ أَوْضَحُوا الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمُدْلَهِمَّة أَعْنِي مُؤَلِّفَ هَذَا الْكِتَابِ الْمُعْلَنِ فِيهِ بِالصَّوَابِ مَنْ تَحَقَّقَ بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَنَالَ لَطَائِفَهَا وَتَحَلَّى بِتِيجَانِ الْفُنُونِ الدِّينِيَّةِ وَحَازَ شَرَائِفَهَا وَعَقَدَتْ لَهُ أَلْوِيَةُ التَّحْقِيقِ فَوْقَ الْعُلَا ذَوَائِبَهَا