حَدِيثٍ ضَعِيفٍ أَيْضًا أَوْ لِأَنَّهُ يُغْفَلُ كَمَا فِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ أُسَامَةَ قُلْت «يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَك تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ ذَلِكَ شَهْرٌ تَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ فَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» فَأَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنَّهُ لَمَّا اكْتَنَفَهُ شَهْرَانِ عَظِيمَانِ الشَّهْرُ الْحَرَامُ وَرَمَضَان اشْتَغَلَ النَّاسُ بِهِمَا فَغَفَلُوا عَنْهُ وَلِذَا ذَهَبَ كَثِيرُونَ إلَى أَنَّ صَوْمَ رَجَب أَفْضَلُ مِنْهُ.
وَمِنْ فَوَائِدِ إحْيَاءِ الْوَقْتِ الْمَغْفُولِ عَنْهُ بِالطَّاعَةِ أَنَّهَا فِيهِ إخْفَاءٌ وَإِخْفَاؤُهَا سِيَّمَا بِالصَّوْمِ الَّذِي هُوَ سِرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ أَوْلَى وَأَنَّهَا فِيهِ أَشَقُّ لِتَأَسِّي النُّفُوسِ بِمَا تُشَاهِدُ مِنْ أَحْوَالِ أَمْثَالِهَا وَلِهَذَا سَهُلَتْ الطَّاعَاتُ عِنْد مَزِيدِ يَقَظَةِ النَّاسِ وَشَقَّتْ عِنْد بُعْدِ ذَلِكَ أَوْ؛ لِأَنَّهُ تُنْسَخُ فِيهِ الْآجَالُ كَمَا فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَائِشَةَ قُلْت «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَكْثَرَ صِيَامِك فِي شَعْبَانَ قَالَ إنَّ هَذَا الشَّهْرَ يُكْتَبُ فِيهِ لِمَلَكِ الْمَوْتِ مَنْ يُقْبَضُ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ لَا يُنْسَخَ اسْمِي إلَّا وَأَنَا صَائِمٌ» وَلِأَنَّهُ يَتَمَرَّنُ بِصَوْمِهِ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ فَلَا يَأْتِي إلَّا وَقَدْ اعْتَادَ الصَّوْمَ وَسَهُلَ عَلَيْهِ فَلَا يَأْتِي رَمَضَانُ إلَّا وَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنْ النَّشَاطِ.
وَأَمَّا شَهْرُ رَجَب فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّتُنَا أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الشُّهُورِ لَكِنَّهَا مَقَالَةٌ ضَعِيفَةٌ بَلْ لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَامَهُ بَلْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صِيَامِهِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا شَاهِدَ فِي ذَلِكَ لِكَرَاهَةِ صَوْمِ رَجَب خِلَافًا لِمَا وَرَدَ عَلَيْهِ بَلْ رَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَدَبَ الصَّوْمَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَرَجَبُ أَحَدهَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ فِي رَجَبٍ قَالَ نَعَمْ وَيُشَرِّفُهُ قَالَهَا ثَلَاثًا» وَقَدْ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ إنَّ فِي الْجَنَّةِ قَصْرًا لِصُوَّامِ رَجَبٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَبُو قِلَابَةَ مِنْ كِبَار التَّابِعِينَ لَا يَقُولُهُ إلَّا عَنْ بَلَاغٍ فَثَبَتَ نَدْبُ صَوْمِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مَكْرُوهًا وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالْكَرَاهَةِ فَاسِدٌ بَلْ غَلَطٌ بَلْ قَدْ عَلِمْت فَضْلَ صَوْمِ شَعْبَانَ وَمَعَ ذَلِكَ صَوْمُ رَجَب أَفْضَلُ مِنْهُ إذْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ أَفْضَلَ الشُّهُورِ بَعْدَ رَمَضَان الْمُحَرَّم ثُمَّ بَقِيَّةُ الْحُرُمِ ثُمَّ شَعْبَان.
النَّوْعُ الثَّالِثُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ التِّسْعُ الْأَوَّلُ مِنْهَا» رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهَا وَعَنْ عَائِشَةَ عَنْ مُسْلِمٍ مَا رَأَيْته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَائِمًا قَطُّ نَفْيٌ وَغَيْرُهُ إثْبَاتٌ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا نَفَتْ رُؤْيَةَ نَفْسِهَا وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْهُ فِي هَذِهِ يَعْنِي الْعَشْرَ الْأُولَى مِنْ ذِي الْحِجَّةِ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْد اللَّهِ وَلَا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الْأَضْحَى» قِيلَ وَمِنْهُ يُؤْخَذ أَنَّ هَذَا الْعَشْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ بَعْضهمْ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِأَيَّامِهِ لِأَنَّ فِيهَا يَوْمَ عَرَفَة الَّذِي لَمْ يُرَ الشَّيْطَانُ أَحْقَرَ وَلَا أَذَلَّ وَلَا أَغْيَظَ مِنْهُ فِيهِ يُكَفَّرُ سَنَتَيْنِ وَفِيهَا يَوْمُ النَّحْرِ وَهُوَ أَعْظَمُ الْأَيَّام حُرْمَةً عِنْد اللَّهِ سَمَّاهُ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلَّيَالِيِ فَلَيَالِي عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَفَضْلُهَا مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ وَدَلِيلُ هَذَا التَّفْصِيلِ تَعْبِيرُ الْخَبَرِ بِأَيَّامٍ دُون مَا مِنْ عَشْرٍ وَنَحْوِهِ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ فِي بَعْضِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَالْأَيَّامَ الْبِيضَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ صِيَامَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّهْرِ عَلَى أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَوَّلَ اثْنَيْنِ ثُمَّ الْخَمِيس ثُمَّ الْخَمِيس الَّذِي بَيْنه رَوَاهُ الْعَسَّالُ. ثَانِيهَا أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ مِنْ الشَّهْرِ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَالِاثْنَيْنِ وَمِنْ الشَّهْرِ الْآخَرِ الثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِيهِ «أُنْزِلَ عَلَيَّ» رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَقَالَ «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أُسَامَةَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك تَصُومُ حَتَّى لَا تَكَادَ تُفْطِرُ وَتُفْطِرُ حَتَّى لَا تَكَادَ تَصُومُ إلَّا يَوْمَيْنِ إنْ دَخَلَا فِي صِيَامِك وَإِلَّا صُمْتَهُمَا قَالَ أَيُّ يَوْمَيْنِ قُلْت يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ قَالَ ذَلِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» .
وَهَذَا عَرْضٌ خَاصٌّ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ، وَأَمَّا الْعَرْضُ الدَّائِمُ فَهُوَ كُلُّ يَوْمٍ بُكْرَةً