أَوْ لَا وَلَوْ سَافَرَ جَمَاعَةٌ لِتِجَارَتِهِمْ فَالْتَقَوْا بِالْحَرْبِيِّينَ فِي طَرِيقِهِمْ فَتَقَاتَلُوا مِنْ بَعِيدٍ بِالْبَنَادِقِ وَالسِّهَامِ فَقُتِلَ الْمُسْلِمُونَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَهَلْ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ أَوْ لَا وَلَوْ دُفِنَ مَنْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ الْحَرْبِيُّونَ مِنْ غَيْرِ غَسِيلٍ وَلَا صَلَاةٍ بِزَعْمِ أَنَّهُ شَهِيدٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِجَهْلِهِمْ بِالْحُكْمِ فَلَمَّا عُلِمَ الْحُكْمُ حَفَرُوا فَوَجَدُوهُ مُنْتَفِخًا أَوْ مُنْتِنًا وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَغَسْلُهُ فَهَلْ يَجِبُ التَّيَمُّمُ مَعَ إمْكَانِهِ وَالْحَالَة هَذِهِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا تَحَارَبَ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فَقَتَلَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ ظُلْمًا لِكَوْنِهِ حَرْبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا وَلَمْ يَتَعَدَّ الْمُسْلِمُ عَلَيْهِ بِإِرَادَتِهِ قَتْلَهُ فَالْمُسْلِمُ شَهِيدٌ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالشَّهِيدِ حَيْثُ أُطْلِقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرَادَ مُسْلِمٌ قَتْلَ ذِمِّيٍّ ظُلْمًا فَدَفَعَهُ الذِّمِّيُّ عَنْ نَفْسِهِ بِالتَّدْرِيجِ إلَى أَنْ أَفْضَى الدَّفْعُ إلَى قَتْلِهِ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ فِي هَذِهِ لَيْسَ شَهِيدًا لِتَعَدِّيهِ الْمُفْضِي إلَى قَتْلِهِ وَفِي شَرْحِي لِلْعُبَابِ وَقَيَّدَ فِي الْبَهْجَةِ الْحَرْبَ بِكَوْنِهَا حَلَالًا احْتِرَازًا عَنْ مُحَارَبَةِ مُسْلِمِينَ لِذِمِّيِّينَ ظُلْمًا فَلَا يَكُونُ مَقْتُولُهُمْ شَهِيدًا وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ وَبِهَا يَتَّضِحُ مَا قَرَّرْته وَمَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ فَقَتَلُوهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ غَيْرُ شَهِيدٍ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ اغْتَالَهُ كَافِرٌ فِي غَيْرِ قِتَالٍ غَيْرُ شَهِيدٍ وَبِأَنَّ الشَّهِيدَ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ كَافِرٌ مَعَ قِيَامِ الْحَرْبِ.
وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ مَعَ قِيَامِ الْحَرْبِ أَنَّ الْمَعْرَكَةَ لَوْ انْجَلَتْ فَوَلَّى الْمُشْرِكُونَ فَتَبِعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ لِيَسْتَأْصِلُوهُمْ فَكَّرَ بَعْضُهُمْ عَلَى مُسْلِمٍ فَقَتَلَهُ لَا يَكُونُ شَهِيدًا لَكِنْ اسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَمِنْ ثَمَّ رَجَّحَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ شَهِيدٌ لِأَنَّ آثَارَ الْقِتَالِ مَوْجُودَةٌ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ اهـ.
وَبِهَذَا الْأَخِيرِ يُفَرَّقُ عَلَى كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَتِنَا بِأَنَّ آثَارَ الْقِتَالِ لَمَّا بَقِيَتْ هُنَا كَانَ الْقِتَالُ كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ فَلَيْسَ فِيهَا آثَارُ قِتَالٍ أَلْبَتَّةَ فَلَا مُقْتَضَى فِيهَا لِلشَّهَادَةِ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الشَّهِيدَ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ كَافِرٌ مَعَ قِيَامِ الْحَرْبِ أَوْ مَاتَ بِسَبَبِ الْحَرْبِ كَأَنْ رَمَحَتْهُ دَابَّةٌ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ عَادَ إلَيْهِ سِلَاحُهُ أَوْ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ الْمَقْتُولِينَ فِي قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ وَلَوْ سَافَرَ جَمَاعَةٌ لِتِجَارَتِهِمْ إلَخْ شُهَدَاءُ لَا يُغَسَّلُونَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ دُفِنَ الْمَيِّتُ قَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ بَدَلِهِ وَهُوَ التَّيَمُّمُ نُبِشَ لَهُ الْقَبْرُ وُجُوبًا تَدَارُكًا لِلْوَاجِبِ إلَّا إنْ تَغَيَّرَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالنَّتْنِ وَالرَّائِحَةِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ بِالتَّقَطُّعِ وَهَذَا أَبْلَغُ مِمَّا قَبْلَهُ فَإِنَّ التَّأَذِّي بِرَائِحَتِهِ أَبْلَغُ مِنْ تَقْطِيعِهِ فَيَحْرُمُ النَّبْشُ حِينَئِذٍ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ اهـ.
وَبِهَا يُعْلَمُ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ الْأَخِيرَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّبْشُ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ بَلْ يَحْرُمُ النَّبْشُ لَهُ كَالْغُسْلِ بَعْدَ التَّغَيُّرِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ فِيهِ هَتْكًا لِحُرْمَتِهِ فَإِنْ ظُنَّ عَدَمُ تَغَيُّرِهِ فَنُبِشَ فَرَأَى التَّغَيُّرَ وَجَبَ رَدُّ التُّرَابِ فَوْرًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَيَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْفَوْرِيَّةِ فِيهِ عَدَمُ وُجُوبِ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ بَلْ عَدَمُ الْجَوَازِ وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَيْضًا فَإِنْ دُفِنَ مَنْ يَجِبُ غَسْلُهُ قَبْلَ غَسْلِهِ أَوْ تَيَمُّمِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ نُبِشَ لَهُ ثُمَّ بَعْدَهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ فِعْلُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِنَحْوِ نَتْنٍ شَدِيدٍ كَمَا يَأْتِي فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ نَبْشُهُ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ.
وَتَرَدَّدَ الْأَذْرَعِيُّ فِي النَّبْشِ عِنْدَ دَفْنِهِ بِلَا غُسْلٍ جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ خَوْفًا مِنْ نَحْوِ عَدُوٍّ أَوْ لِفَقْدِ الطَّهُورِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ حَيْثُ صَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِلَا غُسْلٍ لَمْ يُنْبَشْ وَإِلَّا نُبِشَ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ مِنْ النَّبْشِ مُطْلَقًا حَيْثُ لَا تَغَيُّرَ مُبَالَغَةً فِي إكْرَامِهِ وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ اهـ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يُسَنُّ قِرَاءَةُ يس عِنْدَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَعْنِي مُقَدَّمَاتِهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ هَلْ لَا يُؤْمَرُ بِالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِهَا لِلصُّعُودِ بِرُوحِهِ إلَى الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ فَلِانْتِفَاءِ انْتِفَاعِهِ بِالْقِرَاءَةِ حِينَئِذٍ كَمَا ذَاكَرَنِي بِذَلِكَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا أَمْ الْمُرَادُ غَيْرُ ذَلِكَ وَمَا هُوَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَوْلُهُمْ الْمَيِّتُ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَطْلَقَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّ ثَوَابَهَا لِلْقَارِئِ وَالثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى عَمَلٍ لَا يُنْقَلُ عَنْ عَامِلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ قَالَ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَوُصُولُ الدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ وَرَدَ بِهِمَا النَّصُّ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا إذْ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ فَاتَّجَهَ قَوْلُهُمْ أَنَّ الْمَيِّتَ