إنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ» وَالْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ إلَى النَّارِ فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى شَفَتِهَا الْتَفَتَ فَقَالَ أَمَا وَاَللَّهِ يَا رَبِّ إنْ كَانَ ظَنِّي بِك لَحَسَنٌ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رُدُّوهُ أَنَا عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّ عَبْدِي بِي» .
(تَنْبِيهٌ) عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الَّذِي عَلِمْته مِمَّا ذُكِرَ بَلْ فِي التَّصْرِيحِ الَّذِي مَرَّ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ بَلْ جَاءَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ اهـ مَا فِي الزَّوَاجِرِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ سُوءَ الظَّنِّ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَفَسَّرَ الْفُقَهَاءُ خَبَرَ مُسْلِمٍ السَّابِقِ «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى» بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ وَإِحْسَانُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَنْدُوبٌ قَالُوا وَيُنْدَبُ لِلْحَاضِرِينَ أَنْ يُحْسِنُوا ظَنَّ الْمُحْتَضِرِ وَيُطْمِعُوهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبَهُ عَلَيْهِمْ إذَا رَأَوْا مِنْهُ أَمَارَاتِ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ وَعِبَارَةُ شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ قِيلَ وَالْأَوْلَى لِلصَّحِيحِ تَغْلِيبُ خَوْفِهِ عَلَى رَجَائِهِ وَالْأَظْهَرُ فِي الْمَجْمُوعِ اسْتِوَاؤُهُمَا لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَعًا.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ إنْ أَمِنَ دَاءَ الْقُنُوطِ فَالرَّجَاءُ أَوْلَى أَوْ أَمِنَ الْمَكْرَ فَالْخَوْفُ أَوْلَى أَيْ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا اسْتَوَيَا وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَيْ الْإِرْشَادِ كَأَصْلِهِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ أَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَيْسَ بِمُحْتَضِرٍ كَالصَّحِيحِ وَالْأَوْجَهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ غَيْرَ الْمُحْتَضِرِ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ وَعِبَارَتُهُ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمَرِيضِ وَمَنْ حَضَرَتْهُ أَسْبَابُ الْمَوْتِ وَمُقَدِّمَاتُهُ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَبِهَا مَعَ مَا سَبَقَ عَنْ الزَّوَاجِرِ يُعْلَمُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا شَخْصٌ يَجُوزُ وُقُوعُ الرَّحْمَةِ لَهُ وَالْعَذَابُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَعَرَّضَ لَهُ الْفُقَهَاءُ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا نُدِبَ لَهُ تَغْلِيبُ جَانِبِ الرَّجَاءِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا اخْتَلَفُوا فِيهِ كَمَا رَأَيْتَ. ثَانِيهِمَا فِي شَخْصٍ آيِسٍ مِنْ وُقُوعِ شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الرَّحْمَةِ لَهُ مَعَ إسْلَامِهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي كَلَامُ الزَّوَاجِرِ فِيهِ فَهَذَا الْيَأْسُ كَبِيرَةٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَكْذِيبَ النُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا.
ثُمَّ هَذَا الْيَأْسُ قَدْ تَنْضَمُّ إلَيْهِ حَالَةٌ أَشَدُّ مِنْهُ فِي التَّصْمِيمِ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الرَّحْمَةِ لَهُ وَهُوَ الْقُنُوطُ بِحَسْبِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ فَهُوَ يَئُوسٌ قَنُوطٌ وَتَارَةً يَنْضَمُّ إلَيْهِ أَنَّهُ مَعَ عَدَمِ رَحْمَتِهِ لَهُ يُشَدِّدُ عَذَابَهُ كَالْكُفَّارِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِسُوءِ الظَّنِّ هُنَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْته عَنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِحْسَانِ الظَّنِّ الْمَنْدُوبِ أَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يَرْحَمُهُ وَمِنْ الرَّحْمَةِ أَنَّ اللَّهَ يُوَفِّقُهُ لِلْخَيْرِ وَأَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَسْأَلُ مِنْهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا أَوْ الْآخِرَةِ وَإِنَّ الْإِنْسَانَ إذَا رَأَى أَحْوَالَهُ غَيْرَ جَارِيَةٍ عَلَى سُنَنِ الِاسْتِقَامَةِ فَاشْتَدَّ الْخَوْفُ عِنْدَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَخَشِيَ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَى قَبَائِحِهِ مَعَ تَجْوِيزِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يَعْفُو عَنْهُ وَيَغْفِرُ لَهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بَلْ هُوَ مِنْ الْحَالَاتِ الْكَامِلَةِ وَالْأَحْوَالِ الْفَاضِلَةِ فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاَللَّهِ وَأَخْوَفُكُمْ مِنْهُ» .
وَوَرَدَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَبَقِيَّةِ أَئِمَّةِ السَّلَفِ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَوْفِ مَا يُفَتِّتُ الْكَبِدَ وَيُذِيبُ الْجِلْدَ وَلِذَلِكَ جَرَى جَمَاعَةٌ أَجِلَّاءُ عَلَى تَرْجِيحِ جَانِبِ الْخَوْفِ عَلَى جَانِبِ الرَّجَاءِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مَا دَامَ تَرْجِيحُهُ بَاقِيًا كَانَ حَامِلًا عَلَى اجْتِنَابِ الْمَعَاصِي وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ مَا لَا يَنْبَغِي بِخِلَافِ تَرْجِيحِ جَانِبِ الرَّجَاءِ فَإِنَّهُ غَالِبًا يَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى اقْتِرَافِ النَّقَائِصِ خَلَّصَنَا اللَّهُ مِنْهَا وَوَفَّقَنَا لِطَاعَتِهِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَأَدَامَ عَلَيْنَا رِضَاهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ إلَى أَنْ نَلْقَاهُ آمِينَ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ اُحْتِيجَ لِسَدِّ فَتْحِ لَحْدِ الْقَبْرِ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا لَبِنٌ لِغَائِبٍ وَمَسْجِدٌ فَمَا الَّذِي يُؤْخَذُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَتَى تَوَقَّفَ الدَّفْنُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ جَازَ أَخْذُهُ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ كَانَ هَذَا الْمَالُ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ الَّذِي يَعُمُّ جَمِيعَ الْمُوسِرِينَ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ كَانَ كَأَكْلِ الْمُضْطَرِّ طَعَامَ الْغَائِبِ وَيَضْمَنُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْمُضْطَرِّ إذَا وَجَدَ مَأْكُولًا لِغَائِبٍ وَلَحْمَ مَيِّتَةٍ أَوْ صَيْدٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ مَا قُلْنَاهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ مَالِ الْغَائِبِ وَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ جِدَارِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ خَرَابًا