وَإِلَّا فَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مَحْبُوبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا فِي وَقْتِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ اهـ كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ ضَعْفِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ يُعْلَمُ دَفْعُهُ بِأَدْنَى تَوَجُّهٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا حُكْمُ بِنَاءِ الْقُبُورِ قَدْرَ مِدْمَاكَيْنِ فَقَطْ وَهَلْ يَجُوزُ أَخْذُ حِجَارَةِ الْقُبُورِ لِسَدِّ فَتْحِ لَحْدٍ أَوْ لِبِنَاءِ قَبْرٍ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِنَاءُ الْقَبْرِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ سَوَاءٌ أَظْهَرَ بِبُنْيَانِهِ تَضْيِيقٌ فِي الْحَالِ أَمْ لَا وَهِيَ الَّتِي اعْتَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ الدَّفْنَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا مُسَبِّلٌ وَأَلْحَقَ بِهَا الْأَذْرَعِيُّ الْمَوَاتَ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ وَلَا غَرَضٌ شَرْعِيٌّ فِيهِ بِخِلَافِ الْإِحْيَاءِ وَهُوَ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ يَجُوزُ وَيُهْدَمُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ قُلْنَا الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ وَيَظْهَرُ أَنَّ الَّذِي يَهْدِمُهُ هُوَ الْحَاكِمُ لَا الْآحَادُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الصُّلْحِ لِمَا يُخْشَى فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَسَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ الْبِنَاءُ فِي حَرِيمِ الْقَبْرِ وَخَارِجِهِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَمِنْ الْمُسَبَّلَةِ الْمَوْقُوفَةِ بَلْ أَوْلَى.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْبِنَاءُ فِي الْمَقَابِرِ أَمْرٌ قَدْ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَطَمَّ وَلَقَدْ تَضَاعَفَ الْبِنَاءُ حَتَّى انْتَقَلَ لِلْمُبَاهَاةِ وَالشُّهْرَةِ وَسُلِّطَتْ الْمَرَاحِيضُ عَلَى أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَشْرَافِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ اهـ وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِتُرَبِ مِصْرَ بَلْ انْتَقَلَ نَظِيرُ ذَلِكَ وَأَفْحَشُ مِنْهُ إلَى تُرْبَتَيْ الْمَعْلَاةِ وَالْبَقِيعِ حَتَّى صَارَ يَقَعُ فِيهِمَا مِنْ الْمَفَاسِدِ مَا لَا يَقَعُ فِي غَيْرِهِمَا وَسَبَبُهُ وُلَاةُ السُّوءِ وَقُضَاةُ الْجَوْرِ ثُمَّ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبِنَاءِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحُرْمَةِ أَنَّهُ يَتَأَبَّدُ بِالْجَصِّ وَإِحْكَامِ الْبِنَاءِ فَيُمْنَعُ عَنْ الدَّفْنِ هُنَاكَ بَعْدَ الْبِلَى وَالِانْمِحَاقِ وَهَذَا يَجْرِي فِي الْبِنَاءِ الْقَلِيلِ فَهُوَ حَرَامٌ كَالْكَثِيرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِهِ مَا حُكْمُ الْمَرَاثِي وَهَلْ أَحَدٌ قَالَ فِيهَا مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ شَرْحِي لِلْعُبَابِ وَيَحْرُمُ النَّدْبُ مَعَ الْبُكَاءِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْأَذْكَارِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ وَإِلَّا لَدَخَلَ الْمُؤَرِّخُ وَالْمَادِحُ لَكِنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبِعَ الرَّافِعِيَّ فِي حَذْفِ التَّقْيِيدِ بِالْبُكَاءِ وَاعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي وَهُوَ تَعْدِيدُ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ كَوَاكَهْفَاهُ وَاجَبَلَاهُ وَا سَنَدَاهْ وَا كَرِيمَاهْ وَذَلِكَ لِمَا يَأْتِي بَلْ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمْعِ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ قَالَ فِيهِ وَجَاءَ فِي الْإِنَاحَةِ مَا يُشْبِهُ النَّدْبَ وَلَيْسَ مِنْهُ وَهُوَ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ وَا أَبَتَاهْ فَقَالَ لَيْسَ عَلَى أَبِيك كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ» فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ وَا أَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ يَا أَبَتَاهُ إلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ ثُمَّ قُلْت فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَيُكْرَهُ تَرْثِيَةُ الْمَيِّتِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْمَرَاثِي وَفَسَّرُوهَا بِأَنَّهَا عَدُّ مَحَاسِنِهِ أَيْ بِغَيْرِ صِيغَةِ النَّدْبِ السَّابِقَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ اتِّحَادُهَا مَعَهَا وَقَدْ أَطْلَقَهَا الْجَوْهَرِيُّ عَلَى عَدِّ مَحَاسِنِهِ مَعَ الْبُكَاءِ وَعَلَى نَظْمِ الشِّعْرِ فِيهِ فَيُكْرَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ.

قَالَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ كَرَاهَةِ التَّرْثِيَةِ إذَا بَعَثَتْ عَلَى النَّوْحِ وَتَجْدِيدِ الْحُزْنِ أَوْ ظَهَرَ مِنْهَا تَبَرُّمٌ أَوْ فُعِلَتْ مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَهَا أَوْ أُكْثِرَ مِنْهَا لَكِنْ خَالَفَ الْأَذْرَعِيُّ فِي بَعْضِ ذَلِكَ إنْ بَعَثَتْ عَلَى ذَلِكَ أَيْ النَّوْحِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذُكِرَ كَمَا يَصْنَعُهُ الشُّعَرَاءُ فِي عُظَمَاءِ الدُّنْيَا وَيُنْشَدُ فِي الْمَحَافِلِ عَقِبَ الْمَوْتِ فَهِيَ نِيَاحَةٌ مُحَرَّمَةٌ بِلَا شَكٍّ اهـ.

وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْضُ الْمَرَاثِي حَرَامٌ كَالنَّوْحِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّبَرُّمِ بِالْقَضَاءِ إلَّا إذَا ذَكَرَ مَنَاقِبَ عَالَمٍ وَرِعٍ أَوْ صَالِحٍ لِلْحَثِّ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقَتِهِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ بَلْ هِيَ حِينَئِذٍ بِالطَّاعَةِ وَالْمَوْعِظَةِ أَشْبَهُ لِمَا يَنْشَأُ عَنْهَا مِنْ الْبِرِّ وَالْخَيْرِ وَمِنْ ثَمَّ مَازَالَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَفْعَلُونَهَا عَلَى مَمَرِّ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَقَدْ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ

مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدَا ... أَنْ لَا يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا

صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبُ لَوْ أَنَّهَا ... صُبَّتْ عَلَى الْأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015