لِمَا يَثُورُ فِي بَاطِنِهِ مِنْ بُخَارَاتِ الْحَرَارَةِ وَرُبَّمَا يُشَقُّ ظَاهِرُ الْأَرْضِ وَيَخْرُجُ مِنْ الشَّقِّ تِلْكَ الْمَوَادُّ الْمُحْتَبَسَةِ. اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ هُوَ لَا يُنَافِي مَا مَرَّ وَيَكُونُ احْتِبَاسُ تِلْكَ الْأَبْخِرَةِ عَلَامَةً عَلَى تَحَرُّكِ " ق " أَوْ الْحُوتِ وَالْمُشَاهَدَةُ قَاضِيَةٌ بِذَلِكَ الِاشْتِقَاقِ وَخُرُوجِ تِلْكَ الْمَوَادِّ كَمَا حَكَاهُ الْمُؤَرِّخُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الزَّلَازِلِ الْوَاقِعَةِ فِيمَا مَضَى فَهُوَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ لِكَلَامِهِمْ وَجْهًا وَمِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ كَلَامَهُمْ حَيْثُ لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا وَلَا يُرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يُخَالِفُ الْأُصُولَ لَا بِدَعَ فِي الْقَوْلِ بِهِ وَهَذَا مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ. إذْ مَا قَالُوهُ هُنَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِمَا عَلِمْت أَنَّ تِلْكَ الْآثَارَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَالُوهُ
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اُتُّخِذَ الْفَيْءُ دُوَلًا وَالْأَمَانَةُ مَغْنَمًا وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا وَتُعُلِّمَ الْعِلْمُ لِغَيْرِ الدِّينِ وَأَطَاعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَعَقَّ أُمَّهُ وَأَدْنَى صَدِيقَهُ وَأَقْصَى أَبَاهُ وَظَهَرَتْ الْأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ وَسَادَ الْقَبِيلَةَ فَاسِدُهُمْ وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ وَظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا. فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ وَزَلْزَلَةً وَخَسْفًا وَمَسْخًا وَقَذْفًا وَآيَاتٍ تَتَابَعُ كَنِظَامِ لَآلِئَ قُطِعَ سِلْكُهُ فَتَتَابَعَ» وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا فَشَا فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَمْسَةٌ يَحِلُّ بِهَا خَمْسٌ إذَا أُكِلَ الرِّبَا كَانَتْ الزَّلْزَلَةُ وَالْخَسْفُ وَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ جَعَلَ اللَّهُ عَذَابَ أُمَّتِي فِي الدُّنْيَا الْقَتْلَ وَالزَّلَازِلَ وَالْفِتَنَ» .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا حَدِيثَ «سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي خَسْفٌ وَرَجْفٌ وَقِرَدَةٌ وَخَنَازِيرُ» وَأَخْرَجَ ابْنُ السَّكَنِ حَدِيثَ «يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجْفَةٌ يَهْلِكُ فِيهَا زُهَاءَ عَشَرَةِ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، يَجْعَلُهَا اللَّهُ عِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَعَذَابًا عَلَى الْكَافِرِينَ» وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ أَيْضًا بِلَفْظِ «يَهْلِكُ فِيهَا عَشَرَةُ آلَافٍ عِشْرُونَ أَلْفًا ثَلَاثُونَ أَلْفًا» وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا «خَرَابُ مِصْرَ مِنْ جَفَافِ النِّيلِ وَخَرَابُ الْحَبَشَةِ مِنْ الرَّجْفَةِ» وَأَخْرَجَ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: " إنَّمَا تُزَلْزَلُ الْأَرْضُ إذَا عُمِلَ فِيهَا بِالْمَعَاصِي فَتُرْعِدُ فَزَعًا مِنْ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ أَنْ يَطْلُعَ عَلَيْهَا " وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ فِي سَبَبِ الزَّلْزَلَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْتُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ بِسَعْدِ الْمَنَازِلِ وَبِحُسْنِهَا وَمَا يَكُونُ جَوَابُ مَنْ يُسْأَلُ عَنْ يَوْمِ كَذَا يَصْلُحُ لِنَقْلَةٍ أَوْ تَزْوِيجٍ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَنْ أَضَافَ التَّأْثِيرَ إلَى الْمَنَازِلِ أَوْ الْكَوَاكِبِ أَوْ الْبُرُوجِ أَوْ الْأَيَّامِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّهَ أَجْرَى عَادَتَهُ الْإِلَهِيَّةِ بِوُقُوعِ ذَلِكَ الْأَمْرِ عِنْدَ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ نَحْوَ الْمَنْزِلِ أَوْ الْكَوْكَبِ مُؤَثِّرٌ بِنَفْسِهِ كَفَرَ وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ فِيمَنْ يَقُولُ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ سُئِلَ عَنْ يَوْمٍ يَصْلُحُ لِنَحْوِ نَقْلَةٍ. يَنْبَغِي أَنْ لَا يُجِيبَ بِشَيْءٍ مِنْ حَيْثُ الْيَوْمُ بَلْ يَأْمُرُ بِالِاسْتِخَارَةِ وَالْفِعْلِ بَعْدَهَا إنْ انْشَرَحَ لَهُ الصَّدْرُ لِأَنَّ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَخِلَافُ الْمَأْلُوفِ مِنْ الْجَهَلَةِ الْمُشْتَغِلِينَ بِمَا لَا يَحِلُّ مِنْ عِلْمِ الرَّمْلِ وَأَمْثَالِهِ هُوَ الْبِدْعَةُ الْقَبِيحَةُ الْمُحَرَّمَةُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ بَيْنَ مَنْ عَبَّرَ فِي نَدْبِ الْبُرُوزِ لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ أَوْ الْعَامِ فَرْقٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَإِنْ أَمْكَنَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّهَيْلِيُّ فِي رَوْضِهِ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ صَوْمِ الِاسْتِسْقَاءِ يَجِبُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَهَلْ يَعُمُّ الْمُسَافِرَ وَغَيْرَهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي يُتَّجَهُ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ بَعْضِهِمْ خِلَافَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِالصَّوْمِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ مَا لَمْ يُخَالِفْ حُكْمَ الشَّرْعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِمُخَالَفَةِ حُكْمِ الشَّرْعِ أَنْ يَأْمُرَ بِمَعْصِيَةٍ أَوْ يَنْهَى عَنْ وَاجِبٍ فَشَمِلَ ذَلِكَ الْمَكْرُوهَ فَإِذَا أَمَرَ بِهِ وَجَبَ فِعْلُهُ إذْ لَا مُخَالَفَةَ حِينَئِذٍ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَصِيرُ وَاجِبَةً إذْ أَمَرَ بِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ يَتَحَقَّقُ الْوُجُوبُ بِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّدَقَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَإِنْ عَيَّنَ فِي أَمْرِهِ