وَغَيْرِهِ وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ غَفْلَةً عَنْ قَوْلِ أَئِمَّتِنَا بِجَوَازِ لُبْسِ الْخَاتَمِ بِفَصٍّ وَبِدُونِهِ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْعِبَارَةَ أَعْنِي حَصْرَ الْخَاتَمِ فِيمَا لَهُ فَصٌّ لَوْ صَحَّتْ عَمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ كَانَتْ مُؤَوَّلَةً فَإِنَّ ذَلِكَ حَصْرٌ إضَافِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ أَوْ الْأَشْهَرِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى تَحْرِيمِ لُبْسِ مَا لَيْسَ لَهُ فَصٌّ فَاسْتِدْلَالُ مَنْ ذَكَرَ فِي السُّؤَالِ بِهَا عَلَى التَّحْرِيمِ تَسَاهُلٌ فَاحِشٌ وَغَلَطٌ قَبِيحٌ وَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ ذُو دِيَانَةٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَى تَحْرِيمٍ بِمُجَرَّدِ إشَارَةِ عِبَارَةٍ لِمَا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيم كَمَا تَقَرَّرَ؟ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَاحْذَرْ الْوُقُوعَ فِي مِثْلِهِ وَفَّقَنَا اللَّهُ لِلصَّوَابِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ فَإِنْ قُلْت هَذِهِ الْحَلْقَةُ مِنْ شِعَارِ النِّسَاءِ فَلُبْسُ الرِّجَالِ لَهَا تَشَبُّهٌ بِهِنَّ فَيَحْرُمُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ قُلْت زَعْمُ أَنَّ لُبْسَهَا مِنْ شِعَارِهِنَّ الْمُخْتَصِّ بِهِنَّ مَمْنُوعٌ وَوُجُودُهُ فِيهِنَّ فَقَطْ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لَا نَظَرَ إلَيْهِ كَمَا حَرَّرْت هَذَا الْمَبْحَثَ أَعْنِي التَّشَبُّهَ بِهِنَّ وَمَا ضَابِطُهُ فِي كِتَابِي الْمُسَمَّى شَنُّ الْغَارَةِ عَلَى مَنْ أَظْهَرَ مَعَرَّةَ تَقَوُّلِهِ فِي الْخَنَا وَعَوَارِهِ تَقَبَّلَهُ اللَّهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْكُسُوفِ هَلْ يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْقَمَرَيْنِ أَوْ لَا كَمَا رَأَيْته فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ بِتَصَوُّرِهِ فَمَا عَلَامَتُهُ وَهَلْ تُشْرَعُ لَهُ صَلَاةٌ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ فُحُولِ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ وَهَلْ وَقَعَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِهِ بِأَنَّ مَا نَقَلْتُمُوهُ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ مَا عَدَا كُسُوفِ النَّيِّرَيْنِ مَا لَوْ انْكَسَفَتْ النُّجُومُ فَالْقِيَاسُ عَلَى كُسُوفِ الْقَمَرِ وَأَوْلَى لِأَنَّهَا أَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ وَبِهَا الِاهْتِدَاءُ. اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ قِيَاسُهَا عَلَى الْقَمَرِ أَنَّهُ يُصَلِّي لَهَا صَلَاةَ الْكُسُوفِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى رُكُوعَيْنِ فِي جَمَاعَةٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَنَصُّ الْأُمِّ الْمُوَافِقِ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَصْحَابِ يَرُدُّ مَا زَعَمَهُ وَلَفْظُهُ: وَلَا آمُرُ بِصَلَاةِ جَمَاعَةٍ فِي زَلْزَلَةٍ وَلَا ظُلْمَةٍ وَلَا لِصَوَاعِقَ وَلَا رِيحٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَآمُرُ بِالصَّلَاةِ مُنْفَرِدِينَ كَمَا تُصَلَّى سَائِرُ الصَّلَوَاتِ. اهـ. فَانْظُرْ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الشَّامِلِ لِانْكِسَافِ النُّجُومِ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فَقَالَ: وَلَا يُصَلِّي عَلَى هَيْئَةِ الْخُسُوفِ قَوْلًا وَاحِدًا. اهـ. وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَا يُصَارُ لِتَغْيِيرِ الصَّلَاةِ إلَّا بِتَوْقِيفٍ وَلَمْ يَرِدْ إلَّا فِي النَّيِّرَيْنِ. وَلَيْسَ غَيْرُهُمَا فِي مَعْنَاهُمَا وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَأَوْلَى شَهَادَةُ الْقِبْلَةِ وَبِهَا الِاهْتِدَاءُ يُرَدُّ بِأَنْ لَا مُسَاوَاةَ فَضْلًا عَنْ الْأَوْلَوِيَّةِ لِأَنَّ النَّيِّرَيْنِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْبَاهِرَةِ وَلَهُمَا مِنْ الظُّهُورِ فِي الْعَالَمِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمَا مِنْ النُّجُومِ.
فَإِذَا وَقَعَ بِهِمَا تَغَيُّرٌ كَانَ ذَلِكَ آيَةً مُخَوِّفَةً سَائِرَ أَهْلِ هَذَا الْعَالَمِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ فَشُرِّعَتَا لَهُمَا صَلَاةٌ مَخْصُوصَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِتُنَاسِبَ تَمَيُّزِهِمَا عَنْ سَائِرِ الْكَوَاكِبِ فَكَيْفَ بَعْدَ هَذَا التَّقْرِيرِ يُقَالُ إنَّ النُّجُومَ أَوْلَى بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ مِنْ الْقَمَرِ وَمِمَّا يَدُلُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ مَنْ كَرِهَ اسْتِقْبَالَ الْقَمَرَيْنِ. لَمْ يَقُلْ بِكَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِ بَقِيَّةِ النُّجُومِ وَفَرَّقَ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْته فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا وَأَنَّ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ انْكِسَافَ النُّجُومِ بِمَنْزِلَةِ الزَّلَازِلِ وَنَحْوِهَا فَيَأْتِي فِيهَا حُكْمُهَا مِنْ الصَّلَاةِ فُرَادَى عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ حَذَرًا مِنْ الْغَفْلَةِ عِنْدَ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ الْعَظِيمَةِ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَالْبَغَوِيِّ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ سُنَّةٌ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ فَتَجُوزُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ.
وَقَالَ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ نَافِلَةٌ مُطْلَقَةٌ فَلَا تَحِلُّ الْوَقْتَ الْمَكْرُوهَ وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ لَمْ يُرِدْ الشَّيْخَانِ إضَافَةَ الصَّلَاةِ لِتِلْكَ الْآيَاتِ وَكَوْنَهَا سُنَّةً لَهَا حَتَّى تَكُونَ ذَاتَ سَبَبٍ بَلْ الْمُرَادُ اسْتِحْبَابُ الِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ حِينَئِذٍ رُجُوعًا إلَى اللَّهِ وَاجْتِنَابًا لِلْغَفْلَةِ عِنْدَ تَذْكِيرِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَخْوِيفِهِ بِآيَاتِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَسَاقَ عِبَارَاتٍ قَدْ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، الَّذِي يُتَّجَهُ تَرْجِيحُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ مِنْ أَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُرَادَهُمَا مَا ذُكِرَ لِأَنَّ نَدْبَ الصَّلَاةِ عِنْدَ حُدُوثِ تِلْكَ الْآيَاتِ فِيهِ تَقْيِيدُهَا بِذَلِكَ السَّبَبِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهَا حَدُّ الصَّلَاةِ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ، فَمَنْ ادَّعَى خُرُوجَ هَذِهِ عَنْ ذَوَاتِ السَّبَبِ مَعَ صِدْقِ تَعْرِيفِهَا فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَتِلْكَ الْعِبَارَاتُ الْمَسُوقَةُ كَمَا تَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ تَحْتَمِلُ مَا قُلْنَاهُ، فَلَا