الشَّهَادَةِ وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي دَوَامِ تَعَاطِيهِ.
إنْ أَوْجَبْنَاهُ عَلَيْهِ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ لِبَقَاءِ رُوحِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّ كَثِيرِينَ مِنْ الْمَخْذُولِينَ بِالِابْتِلَاءِ بِهَذِهِ الْخَصْلَةِ الْقَبِيحَةِ الشَّنِيعَةِ يَتَمَسَّكُونَ بِدَوَامِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَقْتِ وَالْمَسْخِ الْمَعْنَوِيِّ بِأَنَّهُمْ نُشِّئُوا فِيهِ وَتَمَكَّنَ مِنْهُمْ فَصَارَ تَعَاطِيهِ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ وَجَوَابُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَلَامٌ حَقٌّ أُرِيدَ بِهِ بَاطِلٌ لِأَنَّا نَقُولُ لَهُمْ لَئِنْ سَلَّمْنَا لَكُمْ مَا قُلْتُمُوهُ هُوَ لَا يَمْنَعُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْكُمْ السَّعْيُ فِي قَطْعِهِ وَزَوَالِ ضَرَرِهِ وَمَسْخِهِ لِأَبْدَانِكُمْ وَأَدْيَانِكُمْ وَعُقُولِكُمْ وَمَحْصُولِكُمْ وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ الْعَارِفِينَ أَنَّهُ يُمْكِنُ قَطْعُ الْأَفْيُونِ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ بِدَوَاءٍ بَرَّهُ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ بَلْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ الصُّلَحَاءُ إنَّهُ كَانَ مُبْتَلًى مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِمِقْدَارٍ كَثِيرٍ فَسَاءَهُ حَالُهُ وَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ عَقْلُهُ وَأَدْرَكَ أَنَّهُ الْمَسْخُ الْأَكْبَرُ وَالْقَاتِلُ الْأَكْبَرُ وَالْمُزِيلُ لِكُلِّ أَنَفَةٍ وَمُرُوءَةٍ وَأَدَبٍ وَرِيَاسَةٍ وَالْمُحَصِّلُ لِكُلِّ ذِلَّةٍ وَرَذِيلَةٍ وَبِذْلَةٍ وَرَثَاثَةٍ وَخَسَاسَةٍ قَالَ فَذَهَبْت إلَى الْمُلْتَزَمِ الشَّرِيفِ وَابْتَهَلْت إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَلْبٍ حَزِينٍ وَدُمُوعٍ وَأَنِينٍ وَحُرْقَةٍ صَادِقَةٍ وَتَوْبَةٍ نَاصِحَةٍ وَسَأَلْت اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَمْنَعَ ضَرَرَ فَقْدِهِ عَنِّي ثُمَّ ذَهَبْت إلَى زَمْزَمَ وَشَرِبْت مِنْهَا بِنِيَّةِ تَرْكِهِ وَكِفَايَةِ ضَرَرِ فَقْدِهِ فَلَمْ أَعُدْ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ أَجِدْ لِفَقْدِهِ ضَرَرًا بِوَجْهٍ مُطْلَقًا. اهـ. وَصَدَقَ فِي ذَلِكَ وَبَرَّ فَإِنَّ شَغَفَ النُّفُوسِ عِنْدَ فَقْدِهِ وَظُهُورِ عَلَامَاتِ الضَّرَرِ عَلَيْهَا إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ خُلُوصِ نَبَاتِهَا وَفَسَادِ طَوِيَّاتِهَا وَبَقَاءِ كَمِينِ تَشَوُّفِهَا إلَيْهِ وَتَعْوِيلِهَا عَلَيْهِ فَلَمْ تَجِدْ حِينَئِذٍ مَا يَسُدُّ مَحَلَّهُ مِنْ الْكَبِدِ فَيَعْظُمُ ضَرَرُ فَقْدِهِ حِينَئِذٍ وَأَمَّا مَنْ عَزَمَ عَزْمًا صَادِقًا عَلَى تَرْكِهِ وَتَوَسَّلَ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ بِصِدْقِ نِيَّةٍ وَإِخْلَاصِ طَوِيَّةٍ فَلَا يَجِدُ لِتَرْكِهِ أَلَمًا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ ابْتِلَاعِ قُمُوعِ النَّبْقِ وَهُوَ الْكَيْنُ هَلْ يَحِلُّ إذْ لَيْسَ بِضَارٍ وَلَا قَذِرٍ أَمْ لَا وَكَذَلِكَ النَّوَى مَعَ التَّمْرِ هَلْ يَحِلُّ ابْتِلَاعُهُ مَعَهُ أَيْضًا أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ ابْتِلَاعَ نَوًى نَحْوُ التَّمْرِ أَوْ النَّبْقِ جَائِزٌ حَيْثُ لَا ضَرَرَ فِيهِ بِخِلَافِ نَحْوِ التُّرَابِ فَإِنَّهُ مُضِرٌّ غَالِبًا فَيَحْرُمُ مُطْلَقًا وَإِذَا جَازَ أَكْلُ دُودِ نَحْوِ الْفَاكِهَةِ وَالْجُبْنِ الْمَيِّتِ فِيهِ مَعَهُ وَإِنْ سَهُلَ تَمْيِيزُهُ كَمَا قَالُوهُ خِلَافًا لِمَنْ غَلِطَ فِيهِ فَأَوْلَى هَذَا وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ مَا يَشُقُّ تَمْيِيزُهُ بِخِلَافِ ذَاكَ لِأَنَّ نَوَى بَعْضِ الْفَاكِهَةِ قَدْ يَشُقُّ تَمْيِيزُهُ فَهُوَ مِثْلُهُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا بِحُرْمَةِ أَكْلِ الْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ فَمَا الْفَرْقُ قُلْت الْفَرْقُ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ بِالِانْدِبَاغِ انْتَقَلَ إلَى طَبْعِ الثِّيَابِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ جِنْسِ الْمَأْكُولِ وَلَا مِنْ تَوَابِعِهِ بِوَجْهٍ بِخِلَافِ النَّوَى فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْمَأْكُولِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُعْلَفُ بِهِ الدَّوَابُّ وَمِنْ تَوَابِعِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْضَ النَّوَى لَهُ خُصُوصِيَّاتٌ نَافِعَةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَطِبَّاءُ فَاتَّجَهَ أَنَّهُ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِلَاعُهُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الصَّدَفِ الْمَوْجُودِ فِي مِلِيبَارَ هَلْ يَحِلُّ أَكْلُهُ أَوْ لَا وَفِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْكَبِيرُ يَكُونُ مِثْلَ صَدَفِ اللُّؤْلُؤِ وَالصَّغِيرُ يَكُونُ مُدَوَّرًا وَهَلْ هُوَ الدَّنِيلِسُ أَوْ حُكْمُهُ حُكْمُهُ وَفِي لَحْمِهِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ السَّرَطَانُ الصَّغِيرُ هَلْ يَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَهُ أَوْ لَا إذَا طُبِخَ مَعَهُ وَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الدُّودِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الْمَأْكُولِ أَوْ لَا وَفِي لَحْمِهِ سَوَادٌ يَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ إنَّهُ خَرْؤُهُ هَلْ يَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَهُ أَوْ لَا.
وَهَلْ السَّرَطَانُ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ يَسْتَدْعِي تَحْرِيرَ الْحُكْمِ فِي حَيَوَانِ الْبَحْرِ وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا أَنَّهُ حَلَالٌ إلَّا مَا يَعِيشُ مِنْهُ فِي الْبَرِّ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ عَيْشُهُ غَيْرَ عَيْشِ مَذْبُوحٍ وَإِلَّا الضُّفْدَعَ وَالتِّمْسَاحَ وَالسَّرَطَانَ وَالسُّلَحْفَاةَ وَكَذَا النِّسْنَاسَ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ غَيْرُهُمَا وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ قُلْت الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْبَحْرِ تَحِلُّ مَيْتَتُهُ إلَّا الضُّفْدَعَ.
وَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَوْ بَعْضُهُمْ مِنْ السُّلَحْفَاةِ وَالْحَيَّةِ وَالنِّسْنَاسِ عَلَى غَيْرِ مَا فِي الْبَحْرِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ يَحِلُّ عِنْدَنَا كَجَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ كُلُّ مَيْتَاتِ الْبَحْرِ غَيْرَ الضُّفْدَعِ. اهـ. فَعَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ يَحِلُّ كُلُّ أَنْوَاعِ الصَّدَفِ سَوَاءٌ صَغِيرُهُ وَكَبِيرُهُ وَسَوَاءٌ السَّرَطَانُ والدنيلس وَغَيْرُهُ كَالتِّرْسَةِ