مِنْ الْحُقُوقِ الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُوبِ الِاسْتِحْلَالِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ زِيَادَةِ الْعَارِ وَالظَّنِّ الْغَالِبِ فَإِنَّ نَحْوَ الزَّوْجِ أَوْ الْقَرِيبِ إذَا ذُكِرَ لَهُ ذَلِكَ يُبَادِرْ إلَى قَتْلِ الزَّانِي، أَوْ الْمَزْنِيِّ بِهَا أَوْ إلَى قَتْلِهِمَا مَعًا فَلَمَّا تَرَتَّبَ عَلَى ذِكْرِهِ هَذَا لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ بِاشْتِرَاطِهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِنَحْوِ ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ فَقَالَ إنَّ الذُّنُوبَ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الْعِبَادِ قَدْ تَكُونُ فِي الْمَالِ وَفِي النَّفْسِ وَفِي الْعِرْضِ وَفِي الْحُرُمِ وَفِي الدَّيْنِ فَأَمَّا الْمَالُ فَيَجِبُ رَدُّهُ عِنْدَ الْمُكْنَةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ لِفَقْرِهِ اسْتَحَلَّهُ مِنْهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِحْلَالِهِ لِغِيبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ وَأَمْكَنَ التَّصَدُّقَ عَنْهُ فَعَلَ وَإِلَّا فَلْيُكْثِرْ مِنْ الْحَسَنَاتِ وَيَرْجِعْ إلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَيَتَضَرَّعْ إلَيْهِ فِي أَنْ يُرْضِيَهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَّا النَّفْسَ فَيُمَكِّنُهُ

أَوْ وَلِيَّهُ مِنْ الْقِصَاصِ فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ إلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي إرْضَائِهِ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَّا الْعِرْضُ فَإِنْ اغْتَبْتَهُ، أَوْ شَتَمْتَهُ، أَوْ بَهَتَّهُ فَحَقُّك أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَك بَيْنَ يَدَيْ مَنْ فَعَلْت ذَلِكَ عِنْدَهُ وَأَنْ تَسْتَحِلَّ مِنْ صَاحِبِهِ إنْ أَمْكَنَك هَذَا إذَا لَمْ تَخْشَ زِيَادَةَ غَيْظٍ وَتَهْيِيجِ فِتْنَةٍ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ وَتَجْدِيدِهِ فَإِنْ خَشِيت ذَلِكَ فَالرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِيُرْضِيَهُ عَنْك وَأَمَّا الْحُرُمُ فَإِنْ خُنْتَهُ فِي أَهْلِهِ، أَوْ وَلَدِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِحْلَالِ وَالْإِظْهَارِ لِأَنَّهُ يُوَلِّدُ فِتْنَةً وَغَيْظًا بَلْ تَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِيُرْضِيَهُ عَنْك وَيَجْعَلَ لَهُ خَيْرًا كَثِيرًا فِي مُقَابَلَتِهِ فَإِنْ أَمِنْت الْفِتْنَةَ وَالْهَيْجَ وَهُوَ نَادِرٌ فَتَسْتَحِلُّ مِنْهُ وَأَمَّا فِي الدِّينِ فَإِنْ كَفَّرْتُهُ أَوْ بَدَّعْتُهُ، أَوْ ضَلَّلْتَهُ فَهُوَ أَصْعَبُ الْأُمُورِ فَتَحْتَاجُ إلَى تَكْذِيبِ نَفْسِك بَيْنَ يَدَيْ مَنْ قُلْت لَهُ ذَلِكَ وَأَنْ تَسْتَحِلَّ مِنْ صَاحِبِك إنْ أَمْكَنَك وَإِلَّا فَالِابْتِهَالُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جِدًّا وَالنَّدَمُ عَلَى ذَلِكَ لِيُرْضِيَهُ عَنْك اهـ.

وَسَكَتَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالتَّحْقِيقِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَيُشْبِهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْإِخْبَارُ أَيْ بِالْحَسَدِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُحَلِّلُهُ وَأَنْ يَتَوَلَّدَ مِنْهُ عَدَاوَةٌ وَحِقْدٌ وَأَذًى لِلْمُخْبِرِ ثُمَّ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَحْسُودِ فَإِنْ كَانَ حَسَنَ الْخُلُقِ بِحَيْثُ يَظُنُّ أَنَّهُ يُحَلِّلُهُ تَعَيَّنَ إخْبَارُهُ لِيَخْرُجَ مِنْ ظُلَامَتِهِ بِيَقِينٍ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ إخْبَارَهُ يَجُرُّ شَرًّا وَعَدَاوَةً حَرُمَ إخْبَارُهُ قَطْعًا وَإِنْ تَرَدَّدَ فَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ فَإِنَّ النَّفْسَ الزَّكِيَّةَ نَادِرَةٌ وَرُبَّمَا جَرَّ ذَلِكَ حِقْدًا وَشَرًّا وَإِنْ حَلَّلَهُ بِلِسَانِهِ اهـ.

فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْحَسَدِ مَعَ سُهُولَتِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ وَعَدَمِ مُبَالَاتِهِمْ بِهِ وَمِنْ ثَمَّ أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ عَدَمَ الْإِخْبَارِ فَقَالَ الْمُخْتَارُ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إخْبَارُ الْمَحْسُودِ بَلْ لَا يُسْتَحَبُّ وَلَوْ قِيلَ يُكْرَهُ لَمْ يَبْعُدْ اهـ.

فَمَا بَالُك بِالزِّنَا الْمُسْتَلْزِمِ أَنَّ الزَّوْجَ وَالْقَرِيبَ يَقْتُلُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ فَكَيْفَ مَعَ التَّحَقُّقِ وَكُلُّ إثْمٍ لَا ضَرَرَ يَلْحَقُ الْآدَمِيَّ بِسَبَبِهِ هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَضِدُّهُ هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْآدَمِيِّ وَأَمَّا خَبَرُ «الْغِيبَةِ أَشَدُّ مِنْ ثَلَاثِينَ زَنْيَةً فِي الْإِسْلَامِ» فَلَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا فِي كُتِبَ الْحَدِيثِ طَوِيلِهَا وَمُخْتَصَرِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَقَوْلُ السَّائِلِ زَنْوَةً صَوَابُهُ زَنْيَةٌ كَمَا عَبَّرْت بِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ قَوْلِ التَّاجِ السُّبْكِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى

وَخَمْسَةٌ مِنْ زُنَاةِ النَّاسِ خَامِسُهُمْ ... مَا نَالَهُ بِالزِّنَا شَيْءٌ مِنْ الضَّرَرِ

وَالْقَتْلُ وَالرَّجْمُ وَالْجَلْدُ الْأَلِيمُ كَذَا التَّ ... غْرِيبُ وُزِّعَ فِي الْبَاقِينَ فَاعْتَبِرْ

؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ صَوَّرَهُ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ قِيلَ إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ سَأَلَ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ خَمْسَةٍ زَنَوْا بِامْرَأَةٍ فَوَجَبَ عَلَى وَاحِدٍ الْقَتْلُ وَآخَرَ الرَّجْمُ، وَالثَّالِثُ الْجَلْدُ وَالرَّابِعُ نِصْفُهُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْخَامِسِ شَيْءٌ فَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّ الْأَوَّلَ ذِمِّيٌّ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ فَانْتَقَضَ عَهْدُهُ فَيُقْتَلُ وَالثَّانِي مُحْصَنٌ وَالثَّالِثُ بِكْرٌ وَالرَّابِعُ عَبْدٌ وَالْخَامِسُ مَجْنُونٌ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ رَوَى حَدِيثَ «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ رَوَاهُ كَثِيرُونَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمَا - وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ الْجَارُودِ وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ وَابْنُ لَكِنَّهُ ضَعَّفَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015