الزَّوْجُ الْأَوَّلُ فِي نِكَاحِهَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ بَعْضُ اطِّلَاعٍ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِلتَّحْكِيمِ أَمْ لَا يَجُوزُ اُبْسُطُوا لَنَا الْجَوَابَ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَوْ أَعْمَى مُسَاكَنَةُ الْمُعْتَدَّةِ مِنْهُ مَا لَمْ تَتَّسِعْ الدَّارُ وَسَكَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي حُجْرَةٍ مِنْهَا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَسْكُنَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي حُجْرَةٍ بِشَرْطِ.
أَنْ تَتَمَيَّزَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْأُخْرَى بِمَرَافِقَ كَمَطْبَخٍ وَمُسْتَرَاحٍ وَبِئْرٍ وَمَمَرٍّ وَمِصْعَدٍ لِلسَّطْحِ وَأَنْ يُغْلَقَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ بَابٍ، أَوْ يُسَدَّ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَمَرُّ أَحَدِهِمَا عَلَى الْأُخْرَى فَإِنْ انْتَفَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ كَانَ هُنَاكَ مَحْرَمٌ لَهَا، أَوْ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ وَيَكْفِي الْمُرَاهِقُ الْمُتَيَقِّظُ وَيُغْنِي عَنْهُ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ امْرَأَةٌ ثِقَةٌ يَحْتَشِمُهَا لِحَيَاءٍ، أَوْ خَوْفٍ. هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ فِي الدَّارِ زِيَادَةٌ عَلَى سُكْنَى مِثْلِهَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ مُسَاكَنَتُهَا مُطْلَقًا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ عَنْهَا وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ قَرِيبٌ، أَوْ مُعْتَقٌ يُزَوِّجُهَا وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَاكِمٌ يُزَوِّجُهَا جَازَ لَهَا أَنْ تُحَكِّمَ عَدْلًا فِي تَزْوِيجِهَا مِنْ كُفْءٍ سَوَاءٌ مُطَلِّقُهَا وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ لَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ وَهِيَ مُرْتَابَةٌ بِالْحَمْلِ حَرُمَ نِكَاحُهَا حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ مَا الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ زَوَالُ الرِّيبَةِ هَلْ هُوَ انْقِضَاءُ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ كَمَا تَقْتَضِيهِ الْعِلَّةُ أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ مُوَضَّحًا وَلَكُمْ الْأَجْرُ وَالثَّوَابُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ الرِّيبَةَ بِالْحَمْلِ مَتَى كَانَتْ لِقَرِينَةٍ كَثِقَلٍ وَحَرَكَةٍ اُعْتُبِرَ زَوَالُ تِلْكَ الْقَرِينَةِ فَإِذَا زَالَتْ زَالَ سَبَبُ الرِّيبَةِ فَيَجُوزُ نِكَاحُهَا حِينَئِذٍ وَإِنْ لَمْ يَمْضِ عَلَيْهَا أَكْثَرُ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الرِّيبَةُ وَهِيَ إنَّمَا تَنْشَأُ عَنْ قَرِينَةٍ فَإِذَا زَالَتْ تِلْكَ الْقَرِينَةُ زَالَتْ الرِّيبَةُ وَانْتَفَى الْمَانِعُ وَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ الْحَمْلِ وَإِنْ زَالَتْ تِلْكَ الْقَرِينَةُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَكَانَ الْقِيَاسُ تَقْدِيمَ هَذَا الْأَصْلِ عَلَى تِلْكَ الْقَرِينَةِ وَأَنْ لَا يُلْتَفَتَ إلَيْهَا لِقَاعِدَةِ أَنَّ الْأَصْلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى الْعِيَانِ وَهَذَا كَذَلِكَ لَكِنَّ مَزِيدَ الِاحْتِيَاطِ لِلْإِبْضَاعِ الَّذِي كَثُرَ تَشَوُّفُ الشَّارِعِ إلَيْهِ أَوْجَبَ تَقْدِيمَ الظَّاهِرِ هُنَا عَلَى الْأَصْلِ مُطْلَقًا فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ الظَّاهِرُ بِزَوَالِ سَبَبِهِ مِنْ نَحْوِ الثِّقَلِ وَالْحَرَكَةِ عَمِلَ الْأَصْلُ عَمَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهُ حِينَئِذٍ فَاتَّضَحَ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِزَوَالِ الرِّيبَةِ زَوَالُ سَبَبِهَا الْمُوجِبِ لَهَا لَا تَيَقُّنُ خُلُوِّ الْجَوْفِ عَنْ الْوَلَدِ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ: لَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ، أَوْ الْأَشْهُرِ وَهِيَ مُرْتَابَةٌ بِالْحَمْلِ حَرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى آخَرَ حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَزِمَتْهَا بِيَقِينٍ فَلَا تَخْرُجُ عَنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ قُلْت: لَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْيَقِينِ زَوَالُ التَّرَدُّدِ بِزَوَالِ سَبَبِهِ الَّذِي قَدَّمْته لَا الْيَقِينُ الْعَقْلِيُّ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِأَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُهُمْ تَعْبِيرُ الشَّيْخَيْنِ بِقَوْلِهِمَا فَإِنْ نُكِحَتْ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ لِلتَّرَدُّدِ فِي انْقِضَائِهَا.
فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُبْطِلَ هُوَ التَّرَدُّدُ فَحَيْثُ وُجِدَ الْأَمَارَةُ مَنَعَ صِحَّةَ النِّكَاحِ وَحَيْثُ انْتَفَى لِانْتِفَاءِ تِلْكَ الْأَمَارَةِ صَحَّ النِّكَاحُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
(وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ زَيْنِ الدِّينِ الْمَرَاغِيِّ فِي تَكْمِلَةِ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ إذَا قَالَتْ لَنَا امْرَأَةٌ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَجَبَ أَنْ نَسْأَلَهَا عَنْ حَالِهَا كَيْفَ الطُّهْرُ وَالْحَيْضُ وَنُحَلِّفُهَا عِنْدَ التُّهْمَةِ هَلْ يُحَلِّفُهَا الْمُنْكِحُ أَمْ يَخْتَصُّ التَّحْلِيفُ بِالْحَاكِمِ وَكَيْفَ صُورَةُ التَّحْلِيفِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا قَالَهُ مِنْ وُجُوبِ السُّؤَالِ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَنْ يَعْلَمُ بِقَرَائِنِ أَحْوَالِهَا أَنَّهَا لَا تَعْرِفُ مَعْنَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ بِخِلَافِ الْمُخَالِطَةِ لِلْعَارِفِينَ بِذَلِكَ فَإِذَا قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي بِالْأَقْرَاءِ مَثَلًا، أَوْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَنَازَعَهَا الْمُطَلِّقُ مَثَلًا صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا وَإِنْ قَالَتْ انْقَضَتْ بِالْأَشْهُرِ صُدِّقَ هُوَ بِيَمِينِهِ وَيَجِبُ التَّحْلِيفُ عِنْدَ التَّنَازُعِ سَوَاءٌ اُتُّهِمَتْ أَمْ لَا وَعِنْدَ التَّنَازُعِ لَا يَكُونُ الْيَمِينُ إلَّا بَيْنَ يَدَيْ قَاضٍ، أَوْ مُحَكَّمٍ وَكَيْفِيَّتُهَا: وَاَللَّهِ إنِّي حِضْتُ ثَلَاثَ حِيَضٍ، أَوْ وَلَدْت، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَأَرَادَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ بَعْدَ مُدَّةٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَقَالَتْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي بَعْدُ مِنْ الثَّانِي فَتَوَقَّفَ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَعْنِي الْأَوَّلَ ثُمَّ ادَّعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ لَمْ يَطَأْهَا فَقَالَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ لَا أُصَدِّقُك؛ لِأَنَّك قُلْت حِينَ أَرَدْت نِكَاحَك لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي أَيْ مِنْ الثَّانِي فَقَالَتْ ظَنَنْت أَنَّ الْخَلْوَةَ وَاللَّمْسَ وَنَحْوَ ذَلِكَ يَكْفِي فِي التَّحْلِيلِ