لَك وَاضِحًا مُبَيَّنًا مَبْسُوطًا مِمَّا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي الْبَيَانِ وَالْوُضُوحِ وَمِمَّا يَزِيدُهُ بَيَانًا وَوُضُوحًا أَنِّي أُعَدِّدُ لَك الْقَائِلِينَ بِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ بِحَسَبِ مَا رَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَانْظُرْ عَدَدَ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ قَوْلَ هَذَا الزَّهْرَانِيِّ إنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ كَذِبٌ بَاطِلٌ صُرَاحٌ لَا سَنَدَ لَهُ فِيهِ وَلَا سَلَفَ إلَّا تَجَرِّيهِ عَلَى الْكَذِبِ وَالتَّسَاهُلِ فَإِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ مِنْ سَائِرِ الْمَذْهَبِ غَيْرِ مَذْهَبِنَا عَلَى فَسَادِ الدَّوْرِ وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ كَيْفَ وَشَنَّعَ عَلَى الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَلَوْ كَانَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى صِحَّتِهِ لَمْ يُشَنِّعْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ عَلَى الْقَائِلِ بِذَلِكَ وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ الِاتِّفَاقَ عَلَى فَسَادِ الدَّوْرِ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ عَنْهُمْ فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ وَالْمُنَجَّزِ وَحْدَهُ، وَفِي مُغْنِي الْحَنَابِلَةِ لَا نَصَّ لِأَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ تَطْلُقُ بِالْمُنَجَّزِ لَا غَيْرُ. اهـ. فَهُمَا مُتَّفِقَانِ أَيْضًا عَلَى فَسَادِ الدَّوْرِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: إنَّ عَلَيْهِ الْجُمْهُورَ يُكَذِّبُهُ فِيهِ قَوْلُهُ أَوَّلًا: إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَتْ عَلَى خَاطِرِ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَابْنُ سُرَيْجٍ إنَّمَا جَاءَ بَعْدَ أَنْ انْقَضَتْ أَعْصُرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَبَقِيَّةِ السَّلَفِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَسُوغُ لِهَذَا الْجَاهِلِ الْغَبِيِّ أَنْ يَقُولَ: إنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] وَإِذْ قَدْ تَبَيَّنَ لَك بُطْلَانُ قَوْلِهِ هَذَا فَلْنَعُدْ إلَى تَعَدُّدِ الْقَائِلِينَ بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَمِنْ الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ ابْنُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ أُسْتَاذُ الْقَفَّالِ وَأَبُو سَعِيدٍ الْمُتَوَلِّي
وَصَنَّفَ فِيهِ تَصْنِيفًا حَافِلًا أَطَالَ فِيهِ الرَّدَّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِصِحَّتِهِ وَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَالشَّرِيفُ نَاصِرٌ الْيَعْمُرِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي وَالْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ سُرَيْجٍ وَقَالَ: مِنْ نَقَلَ عَنْهُ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ فَقَدْ وَهَمَ لَكِنْ مَرَّ أَنَّهُ اخْتَلَفَ جَوَابُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ وَصَنَّفَ فِيهِ تَصْنِيفًا كَمَا قَدَّمْت بَعْضَهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلِلْغَزَالِيِّ مُصَنَّفَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ مُطَوَّلٌ فِي تَصْحِيحِ الدَّوْرِ وَمُخْتَصَرٌ فِي إبْطَالِهِ رَجَعَ عَنْ تَصْحِيحِهِ وَاعْتَذَرَ فِيهِ عَمَّا صَدَرَ مِنْهُ. اهـ. وَكَذَا الْإِمَامُ وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَصَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَالِانْتِصَارِ وَأَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَتَنُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ تَصْنِيفًا وَالْبَغَوِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ وَابْنُ الصَّلَاحِ. فَهَؤُلَاءِ عِشْرُونَ نَفْسًا قَائِلُونَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الْوَاقِعِ كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ بِقَوْلِي وَكَذَا الْإِمَامُ. . . إلَخْ. وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْغَوْرُ فِي الدَّوْرِ إنَّهُ رَأَى أَكْثَرَ عُلَمَاءِ بَغْدَادَ مُطْبِقِينَ عَلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ وَمُشَدِّدِينَ النَّكِيرَ عَلَى مَنْ يُصَحِّحُهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ ذَهَبَ خَلَائِقُ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَى مَا اخْتَارَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ فَقَطْ وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا بُطْلَانُ الدَّوْرِ، وَقَوْلُ ابْنِ يُونُسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّقَلَةِ.
وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ الْمُزَنِيّ وَابْنُ سُرَيْجٍ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَدَّادِ وَالْقَفَّالَانِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ وَأَبُو الْمَحَاسِنِ الرُّويَانِيُّ وَأَبُو يَحْيَى الْبَصْرِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْإِمَامُ،
وَمَرَّ أَنَّهُ اخْتَارَ الْأَوَّلَ فَلَعَلَّ كَلَامَهُ اخْتَلَفَ كَكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَصَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَالْقَزْوِينِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَابْنُ أَبِي الْخَلِّ. فَهَؤُلَاءِ هُمْ الْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَالْأَوَّلُونَ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ بِكَثِيرٍ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَدَّعِي أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ وَهَذَا مِمَّا يُعْلِمُك بِصِحَّةِ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ: إنَّ جَمَاهِيرَ أَصْحَابِنَا عَلَى بُطْلَانِهِ وَقَوْلِ ابْنِ يُونُسَ: إنَّ أَكْثَرَ النَّقَلَةِ عَلَيْهِ، وَمَا يَرُدُّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ وَمِنْ تَبِعَهُ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ هُمْ الَّذِينَ رَأَيْنَاهُمْ فِي كُتُبِ الشَّيْخَيْنِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَقَدْ جَمَعْت وَتَقَصَّيْت وَتَفَحَّصْت الْكُتُبَ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذُكِرَ غَيْرَ هَؤُلَاءِ وَبَعْدَ أَنْ جَمَعْتهمْ عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ رَأَيْت الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ أَكْثَرَ مِنْ الْقَائِلِينَ بِصِحَّتِهِ كَمَا بَانَ لَك ذَلِكَ وَظَهَرَ مِنْ تَعْدَادِهِمْ