وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهَا بَيْن يَدَيْ حَاكِمٍ أَنَّهَا تَعْلَمُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا إلَّا طَمَعًا حَلَّفَهُمَا الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ أَبُو زُرْعَةَ مِنْ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي فَقَالَ إنْ أَبْرَأْتِنِي إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ عَنْهُ فَصَحِيحٌ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا تَبَعًا لِمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي.

وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَل هُنَا إرَادَتُهَا التَّعْلِيقَ لِأَنَّ الصُّورَةَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنَّ الزَّوْجَ خَالَعَهَا وَظَاهِرُ اللَّفْظِ صَرِيحٌ فِي دَعْوَاهُ فَصَدَقَ هُوَ دُونهَا وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عُجَيْلٍ وَالْحَضْرَمِيُّ مِمَّا ذَكَرَهُ السَّائِلُ عَنْهُمَا فَهُوَ شَيْءٌ انْفَرَدَا بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوَاعِدِ أَصْحَابِنَا وَإِنَّمَا الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُهُمْ أَنَّهَا مَتَى قَالَتْ لَهُ أَبْرَأْتُك وَوُجِدَتْ فِيهَا شُرُوطُ الْبَرَاءَةِ بَرِئَ وَقَوْلُهُ وَأَنَا أُعْطِيك كَذَا وَعْدًا لَا يَلْزَمُ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ الْوَفَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَالْبَرَاءَةُ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا وَقَوْلُ السَّيِّدِ إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ اسْتِدْعَاءِ الْبَرَاءَةِ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ عِنْد السَّائِلِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَمَشَّى إلَّا إذَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَلَك كَذَا.

وَقُلْنَا إنَّ الْإِبْرَاء مَحْضُ تَمْلِيكٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مَحْضَ تَمْلِيكٍ وَلَا مَحْضَ إسْقَاطٍ بَلْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْ كُلٍّ وَقَدْ يُغَلِّبُونَ شَائِبَةَ التَّمْلِيكِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَقَدْ يُغَلَّبُونَ شَائِبَةَ الْإِسْقَاطِ فَإِذَا نَظَرْنَا إلَى أَنَّهُ إسْقَاط أَوْ فِيهِ شَائِبَةٌ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُلْحَقَ بِالْهِبَةِ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ فَالْوَجْهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ الَّتِي فِيهَا وَأُعْطِيك كَذَا صِحَّةُ الْبَرَاءَةِ وَعَدَمُ لُزُومِ الْوَفَاءِ سَوَاءٌ أَذُكِرَ عِوَضًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا وَالْأَوْجَهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرْتهَا وَهِيَ وَلَك عَلَيَّ كَذَا أَنَّهُ كَذَلِكَ نَظَرُ الشَّائِبَةِ الْإِسْقَاط وَقَوْلُ السَّيِّدِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا أَبْرَأْتُك أَيْ بِاَلَّذِي ذَكَرْت إلَخْ مَمْنُوعٌ وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَالْبُطْلَانُ جَاءَ إمَّا مِنْ قَوْلِهِ فِي الْأُولَى وَأُعْطِيك لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْوَعْدِ فَلَا يَصِحُّ لِلْإِلْزَامِ وَأَمَّا نَظَرُ الشَّائِبَةِ الْإِسْقَاطَ وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنَّ لَك عَلَيَّ كَذَا فِي الثَّانِيَةِ.

وَقَوْلُ السَّيِّدِ وَمَسْأَلَةُ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ لَيْسَتْ نَظِيرَةً لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنَّمَا نَظِيرَتُهَا إلَخْ صَحِيحٌ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ عَنْهُ مِنْ إفْتَائِهِ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَبْرِئِينِي وَأُطَلِّقُك إلَخْ بِقَوْلِهِ الْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ إلَخْ فَمَحِلُّهُ حَيْثُ قَصَدَ الزَّوْجُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ أَوْ أَطْلَقَ فَيَقَعُ مُطْلَقًا أَمَّا لَوْ أَرَادَ جَعْلَ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ فَلَا يَقَعُ إلَّا إنْ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ كَمَا ذَكَرْته أَوْ لَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي زُرْعَةُ الْآتِي قَرِيبًا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ أَرَدْت بِذَلِكَ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى الْإِبْرَاء مِنْ الصَّدَاق وَجَعَلْته عِوَضًا لَا سَبَبًا إلَخْ.

وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ مِمَّا ذَكَرَهُ السَّائِلُ عَنْهُ فَهُوَ صَحِيحٌ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ تِلْمِيذُهُ الْمُحَقِّقُ أَبُو زُرْعَةَ وَأَطَالَ فِيهِ وَفِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ كَالْمُحِبِّ الطَّبَرِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ نَعَمْ نَقَلَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ الزَّرْكَشِيّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ الْخُوَارِزْمِيَّ وَأَقَرُّوهُ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْ صَدَاقِي عَلَيْك بِالطَّلَاقِ فَطَلَّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ بَانَتْ وَبَرِئَ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْبُلْقِينِيُّ الْمَذْكُورُ وَكَلَامُ أَبِي زُرْعَةَ مِنْ أَنَّ صِحَّةَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَائِنًا بِالْبَرَاءَةِ الصَّحِيحَةِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا بَدَأَ الزَّوْجُ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فَقَطْ بِخِلَافِ مَا إذَا بَدَأَتْ هِيَ فَإِنَّهَا إنْ عَلَّقَتْ الْبَرَاءَةَ عَلَى الطَّلَاقِ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ.

وَإِنْ نَجَّزَتْهَا فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّته قَبْل أَنْ يُطَلِّقَ فَيَكُونُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْخُوَارِزْمِيَّ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ نَقَلَ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ وَأَقَرُّوهُ أَيْضًا وَحَكَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي وَأَقَرَّاهُ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْ صَدَاقِي فَطَلِّقْنِي فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إنْ صَحَّتْ بَرَاءَتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهَا قَصَدَتْ جَعْلَ الْإِبْرَاء عَنْ الطَّلَاقِ وَلِذَلِكَ تَرَتَّبَ سُؤَالُ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ. اهـ.

وَحَذَفَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ وَكَانَ وَجْهُ حَذْفِهِ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِهَا إنَّمَا هُوَ تَنْجِيزُ الْبَرَاءَةِ لَا جَعْلَهَا عِوَضًا نَعَمْ إنْ صَرَّحَتْ بِأَنَّهَا أَرَادَتْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَوَافَقَهَا الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا بِالْبَرَاءَةِ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مِنْ مُقَابَلَةِ الطَّلَاقِ بِالْبَرَاءَةِ مِنْهَا وَوُقُوعِهِ مِنْهُ فِي مُقَابِلَتِهَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ احْتِمَالًا قَرِيبًا فَقُبِلَتْ دَعْوَى إرَادَتِهِ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْبُلْقِينِيُّ السَّابِقَةِ لَوْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي طَلَاقُك بِصِحَّةِ بَرَاءَتِك أَوْ بِبَرَاءَتِك تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى الْإِبْرَاء مِنْ الصَّدَاقِ وَجَعْلَهُ عِوَضًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015