صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ لَيْسَ كُفُؤًا لِلسُّنِّيَّةِ وَلَا مَعْنَى لِلْمُبْتَدِعِ إلَّا مُعْتَقِدُ مَذْهَبٍ مِنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْبِدْعَةِ فَالِاعْتِقَادُ بِمُجَرَّدِهِ مَانِعٌ لِمُكَافَأَتِهِ لِلسُّنِّيَّةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا لِلِانْتِسَابِ إلَى الْبِدْعَةِ غَايَةً زَمَانِيَّة فَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّمَنِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ مَا لَوْ تَابَ الْمُبْتَدِعُ أَوْ تَرَكَ ذُو الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ حِرْفَتَهُ فَمَتَى يُكَافِئُ الْأَوَّلُ السُّنِّيَّةَ وَالثَّانِي ذَات الْحِرْفَةِ الْعَلِيَّةِ وَقَدْ ذَكَرْت حُكْمَ ذَلِكَ بَحْثًا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ تَنْبِيهُ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ أَنَّ خِصَالَ الْكَفَاءَةِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَوْ كَافَأَهَا عِنْدَهُ ثُمَّ طَرَأَ لَهُ صِفَةٌ خَسِيسَةٌ لَمْ تُعْتَبَرُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَهُ وَنَسَبَهُ لِقَضِيَّةِ كَلَامِ التَّنْبِيهِ وَالْمُهَذَّبِ نَعَمْ إنْ تَرَكَ حِرْفَتَهُ الدَّنِيَّةَ قَبْلَ الْعَقْدِ لَمْ يُؤْثِرْ إلَّا إنْ مَضَتْ سَنَةٌ بَيْنَ ابْتِدَاءِ التَّرْكِ وَالْعَقْدِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ الْآتِي فِي اسْتِبْرَاءِ الشَّاهِدِ مِنْ الْفِسْقِ وَخَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ ثُمَّ رَأَيْت الْأَزْرَقَ أَطْلَقَ عَوْدَ كَفَاءَةٍ وَغَيْرُهُ أَطْلَقَ عَدَمَهُ وَفَرَّقَ بَيْن مَا هُنَا وَالشَّهَادَةَ بِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْكَفَاءَةُ حَقّ الْأَوْلِيَاءِ وَبِتَرْكِ الْحِرْفَةِ الدَّنِيَّةِ لَا يَزُولُ الْعَارُ اهـ وَزَعْمُهُ عَدَمُ زَوَال الْعَارِ بِتَرْكِهَا مَمْنُوعٌ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ.

(وَسُئِلَ) عَنْ عَقْدِ النِّكَاحِ هَلْ يَصِحّ بِمَسْتُورَيْ الْعَدَالَةِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ يَصِحُّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَإِنْ قُلْتُمْ ظَاهِرًا فَهَلْ يَكْفِي لِصِحَّتِهِ بَاطِنًا الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتهَا عِنْد قَاضٍ؟

(فَأَجَابَ) إنَّمَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِالْمَسْتُورَيْنِ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَانَ فِسْقُهُمَا بَانَ بُطْلَانُهُ وَلَوْ صَحَّ بَاطِنًا لَمْ يُبَيَّنْ بُطْلَانُهُ بِتَبَيُّنِ فِسْقِهِمَا وَيَكْفِي لِصِحَّتِهِ بَاطِنًا وُجُودُ الْعَدَالَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا حَاكِمٌ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا بَلْ إنْ صَادَفَ الشُّرُوطَ نَفَذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِلَّا نَفَذَ ظَاهِرًا فَقَطْ.

(وَسُئِلَ) عَنْ الشَّرِيفِ ابْنِ الْجَاهِلِ هَلْ يَكُونُ كُفْءَ بِنْتِ عَالِمٍ غَيْرِ شَرِيفٍ أَمْ لَا وَالْعَالِمُ ابْنُ الْجَاهِلِ هَلْ هُوَ كُفْءُ جَاهِلَةٍ بِنْتِ عَالِمٍ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا تَكَافُؤَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِأَقْسَامِهَا لِأَنَّ بَعْضَ الْخِصَالِ لَا يُقَابَلُ بِبَعْضٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِوَاءِ الزَّوْجَيْنِ وَآبَائِهِمَا فِي سَائِرِ الْأَوْصَافِ الَّتِي تُشْتَرَطُ فِي الْكَفَاءَةِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَيْنِ وَآبَائِهِمَا.

(وَسُئِلَ) عَنْ مُسْتَوْلَدَةِ الْمُبَعَّضِ هَلْ يُزَوِّجُهَا هُوَ بِالْمُلْكِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَنَّ الْبَغَوِيّ أَفْتَى بِأَنَّ أَمَةَ الْمُبَعَّضِ لَا تُزَوَّجُ أَصْلًا وَأَقَرَّهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ لِرِقِّهِ وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّ السَّيِّدَ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ بِالْوِلَايَةِ أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهُ يُزَوِّجُ بِالْمُلْكِ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُهَا بِهِ كَالْمُكَاتَبِ وَقَوْلُ السَّائِلِ مُسْتَوْلَدَة الْمُبَعَّضِ يُوهِمُ أَنَّ إيلَادَ الْمُبَعَّض لِأَمَتِهِ صَحِيحٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَنْفُذُ إيلَادُهُ مَا بَقِيَ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ الرِّقِّ كَالْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا أَهْلِيَّةُ الْوَلَاء هَذَا أَعْنِي عَدَمَ ثُبُوتِ اسْتِيلَادِ الْمُبَعَّضِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي النِّكَاحِ فَقَالَا كَالْأَصْحَابِ.

وَلَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَبُ الْمُبَعَّضُ جَارِيَةَ الِابْنِ لَمْ يَثْبُتْ اسْتِيلَادُهُ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْمُتَأَخِّرُونَ وَمِنْهُمْ شَيْخنَا زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَقَالَ تَعْلِيلًا لِمَا ذُكِرَ عَنْ الشَّيْخَيْنِ الْمُبَعَّضُ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ بِإِيلَادِهِمَا أَمَتِهِمَا فَبِإِيلَادِ أَمَةِ وَلَدِهِمَا أَوْلَى قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَعَدَمُ ثُبُوتِ اسْتِيلَادُ الْمُبَعَّضِ هُوَ قَضِيَّةُ كَوْنِ الْمُبَعَّضِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْعِتْقِ أَيْ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْته يُعْلَمُ ضَعْفِ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يَثْبُتُ اسْتِيلَادُ الْمُبَعَّضِ وَإِنْ مَال إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ غَفْلَةً عَنْ كَلَام الشَّيْخَيْنِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ مِنْهُمْ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنَّ أَمَةَ الْمُبَعَّضِ تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً وَغَفَلَ عَمَّا قَدَّمَهُ هُوَ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ مَعْذُورٌ فَإِنَّهُ فِي النِّكَاحِ رَأَى كَلَام الشَّيْخَيْنِ الَّذِي ذَكَرْته وَهُوَ صَرِيحٌ كَمَا تَرَى فِي عَدَمِ ثُبُوتِ اسْتِيلَادِهِ فَجَزَمَ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَمَا عَلِمْت.

وَلَمَّا وَصَلَ إلَى بَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ رَأَى كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَفَلَ عَمَّا قَدَّمَهُ وَعَنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فَتَبِعَ الْمَاوَرْدِيُّ سِيَّمَا مَعَ كَوْنِهِ رَأَى الْبُلْقِينِيُّ مَالَ إلَيْهِ فَالْحَاصِل أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا قَدَّمْته مِنْ عَدَمِ نُفُوذِ اسْتِيلَادِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَصْحَابِ الَّذِي تُلِيَ عَلَيْك فَإِنْ قُلْت كَيْف يُسَوَّغُ اعْتِمَادُ هَذَا مَعَ قَوْل الزَّرْكَشِيّ وَعَنْ نَصِّ الْأُمِّ ثُبُوت اسْتِيلَادِهِ قُلْت لَا يَضُرُّنَا ذَلِكَ لَوْ فُرِضَتْ صِحَّةُ هَذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015