عَلَى ذَلِكَ الْحَمْلِ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيب أَحَدِ وَرَثَتِهِ أُعْطِيَ مِثْلَ أَقَلِّهِمْ نَصِيبًا ثُمَّ قَالَ فَإِذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ فَالْوَصِيَّةُ بِالرُّبُعِ قُلْت إنْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَهُوَ غَفْلَةٌ عَنْ التَّصْوِيرَيْنِ لِأَنَّهُ هُنَا عَبَّرَ بِأَقَلِّهِمْ فَتَنَاوَلَ الْبِنْتَ دُونَ الِابْنِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا عَبَّرَ بِالْأَعْمَامِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ فَإِنْ قُلْت قَدْ يُسْتَدَلُّ لِمَا قَالَهُ بِقَوْلِهِمْ لَوْ أَوْصَى مَنْ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ وَلَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ أُخُوَّةٍ وَلَا بُنُوَّةٍ كَانَ لَفْظُهُ صَادِقًا عَلَى كُلٍّ فَنَزَّلُوهُ عَلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ نَصِيب بِنْتٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِصَدْقِ لَفْظِهِ عَلَيْهَا وَعَوْدُ ضَمِيرِهِمْ عَلَى الْجَمْعِ الشَّامِلِ لِذُكُورِ وَإِنَاثٍ شَائِعٌ لَا يَحْتَاجُ لِقَرِينَةٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ عَمَّةٌ وَأَعْمَامٌ فَخَصَّ الْأَعْمَامَ بِقَوْلِهِ بِمِثْلِ نَصِيب وَاحِدٍ مِنْ أَعْمَامِهِ فَالْقَوْلُ بِحَمْلِهِ عَلَى الْعَمَّةِ بَعِيدٌ جِدًّا مَعَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ أَنَّ الْوَصْفَ بِكَوْنِهِ وَاحِدًا مِنْ الْأَعْمَامِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ الذُّكُورُ لَا مَا يَعُمُّهُمْ وَالْأُنْثَى فَإِنْ قُلْت قَدْ يَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَأَخٌ وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيب أَحَدِ وَلَدَيْهِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالسُّبُعِ قُلْت لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ يُسَمَّى وَلَدًا حَقِيقَةً وَعَلَى مُقَابِلِهِ وَأَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاق فَهُنَا قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ وَهِيَ التَّثْنِيَةُ وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ مَا مَرَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ فِي وُقُوعِ اسْمِ الْوَلَدِ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الْوَقْفِ فَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهِمَا فَالتَّصْوِيرُ ظَاهِرٌ وَإِلَّا فَالْمَنْعُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاق فَأَمَّا هُنَا فَالتَّثْنِيَةُ فِي قَوْلِهِ أَحَدُ وَلَدَيَّ قَرِينَةٌ تُبَيِّنُ إرَادَتَهُمَا جَمِيعًا اهـ.
وَهَذَا مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُؤَيِّدٌ لِمَا ذَكَرْته أَنَّ الْأَعْمَامَ لَا يَشْمَلُونَ الْعَمَّةَ فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا بِقَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ إذَا احْتَاجَ شُمُولَ الْوَلَدِ لَهُ هُنَا إلَى قَرِينَةٍ مَعَ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَثِيرًا بَلْ حَقِيقَةً عَلَى الْأَصَحِّ فِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ كَالْحَجْبِ وَغَيْرِهِ فَمَا بَالُك بِالْعَمِّ فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْعَمَّةَ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَاضِحَةٍ تَدُلُّ عَلَى شُمُولِهَا وَلَا قَرِينَةَ هُنَا كَذَلِكَ فَكَانَ الْحَقُّ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ أَنَّ لِأَوْلَادِ الِابْنِ الْخُمُسَيْنِ لَا الرُّبُعَ وَفَّقْنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَجْمَعِينَ لِإِيضَاحِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ وَخَلَّصَنَا مِنْ دَسَائِسِ نُفُوسِنَا الْحَامِلَةِ عَلَى التَّوَرُّطِ فِي هُوَّةِ الْبَاطِلِ وَابْتِدَاعِهِ وَيَسَّرَ لَنَا مِنْ غَيْرِ عَائِقٍ وَلَا مَانِعٍ الدَّأَبَ فِي تَحْقِيقِ الْعُلُومِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَأَخَذَ بِنَوَاصِينَا إلَى أَنْ نَنْتَظِمَ فِي سِلْكِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ وَأَبْقَى مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ جَمْعًا جَمًّا وَأَتْحَفَهُمْ مِنْ قُرْبِهِ وَهَيْبَتِهِ وَقِيَامِهِمْ بِحُقُوقِ رُبُوبِيَّتِهِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ عَلَى أَيْدِيهمْ الْهِدَايَةُ لِمُتَّبِعِيهِمْ عَرَبًا كَانُوا أَوْ عَجَمًا وَأَقْبَلَ بِقُلُوبِ خَلْقِهِ إلَيْهِمْ حَتَّى يُعَوِّلُوا فِي كَشْفِ الْمُعْضِلَاتِ وَالنَّوَائِبِ عَلَيْهِمْ وَأَخْرَجَ مِنْ نُفُوسِهِمْ الضَّغَائِنَ الَّتِي تَقْطَعُ عَنْ الْوُصُولِ إلَى خِلَافَةِ الرُّسُلِ الْكِرَامِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَدَارِ السَّلَامِ وَأَلْحَقَنَا بِهِمْ فِي ذَلِكَ إنَّهُ الْكَفِيلُ بِكُلِّ خَيْرٍ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَالْمَسَالِكِ لَا إلَهَ غَيْرُهُ وَلَا مَأْمُولَ إلَّا بِرُّهُ وَخَيْرُهُ فَضَرَاعَةً إلَيْهِ بِأَكْمَلِ أَنْبِيَائِهِ وَوَاسِطَةِ عِقْدِ أَصْفِيَائِهِ أَنْ يَعْصِمَنِي مِنْ الْخَطَإِ وَالْخَطَلِ وَمِنْ الزَّيْغِ وَالزَّلَلِ وَأَنْ يَعْفُوَ عَمَّا اقْتَرَفْتُ مِنْ الذُّنُوبِ وَمَا حَوَيْتُ مِنْ الْعُيُوبِ إنَّهُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ هَلْ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ فِي تَفْرِيقِ نَحْوِ الْكَفَّارَةِ صَرْفُهَا لِأَهْلِ الْمُكَفِّرِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّ تُهْمَةَ دَفْعِ النَّفَقَةِ عَنْ نَفْسِهِ قَدْ زَالَتْ بِالْمَوْتِ أَوْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ إلَّا لِمَنْ يَتَمَكَّنُ الْمُوصِي مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَهُوَ الْآنَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ صَرْفُ كَفَّارَةِ الْمَيِّتِ لِمُمَوِّنِهِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ فَأُعْطِيَ حُكْمَهُ وَأَيْضًا فَمَا يُصْرَفُ مِنْهُ تَرِكَةً وَهِيَ مِلْكٌ لِلْوَرَثَةِ وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ عَيَّنَهُ لِلصَّرْفِ مِنْهُ إذْ لَا يَخْرُجُ عَنْ مَالِكِ الْوَرَثَةِ إلَّا بِصَرْفِهِ لَا قَبْلَهُ فَكَيْفَ يُصْرَفُ لَهُ مِنْ مِلْكِهِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَوْتِ بَلْ سَائِرُ الْوَرَثَةِ كَذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَرِثْ الْمُمَوَّنُ لِكَوْنِهِ قَاتِلًا فَهَلْ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى الثَّانِي أَوْ لَا نَظَرًا لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالثَّانِي أَقْرَبُ إلَى إطْلَاقهمْ فَهُوَ الْأَوْجَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْوَصِيَّ نَائِبُ الْمَيِّتِ فَإِنْ قُلْت الْعِلَّةُ فِي مَنْعِ صَرْفِ الْمَيِّتِ فِي حَيَاتِهِ لِمُمَوِّنِهِ دَفْعُ الْمُؤْنَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ