لذَلِك فِيهَا مُجَاوزَة للحد فَاسْتحقَّ التَّغْلِيظ عَلَيْهِ بنسبتهم لَهُ إِلَى الْفُجُور، لَكِن ظَاهر قَول النَّوَوِيّ عقب ذَلِك هَذَا كَلَام الْمَاوَرْدِيّ أَنه متبرىء مِنْهُ.
وَأَن الْمُعْتَمد مَا دلّ عَلَيْهِ قَوْله أَو لَا. وَيَنْبَغِي أَن لَا يُقَال ذَلِك، من أَنه خلاف الأولى أَو مَكْرُوه، وَكَون يَنْبَغِي، قد يسْتَعْمل بِمَعْنى يجب قَلِيل، وَكَأن هَذَا الَّذِي ذكرته هُوَ الْحَامِل للجلال على التَّصْرِيح بكراهته وَإِن كَانَ كَلَام الْمَاوَرْدِيّ ظَاهرا فِي الْحُرْمَة كَمَا تقرر. وَقَالَ النَّوَوِيّ الْإِجْمَاع على أَن أول من سمى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ. قَالَ: وَزعم ذَلِك لمُسَيْلمَة جهل قَبِيح. وَأما الثَّامِنَة: أَعنِي كَرَاهَة عَبدِي وَأمتِي فَيُقَال فَتَاي وَفَتَاتِي وجاريتي وَغُلَامِي وغلامتي، فَهِيَ مُصَرح بهَا فِي (الْأَذْكَار) كَذَلِك. روى الشَّيْخَانِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (وَلَا يَقُل أَحدُكم عَبْدي وأَمَتِي، ولْيَقُلْ فَتَاي وَفَتَاتِي وَغُلَامِي) . وَفِي رِوَايَة لمُسلم (لَا يَقُولَن أحدُكم عَبْدي وَأمتِي كلكُمْ عبيد الله وكل نِسَائِكُم إِمَاء الله، وَلَكِن ليقل غلامي وجاريتي وفتاي وَفَتَاتِي) وَيُؤْخَذ من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه (كلكُمْ عبيد الله) الخ الْإِيمَاء إِلَى عِلّة كَرَاهَة عَبدِي وَأمتِي بِأَنَّهُ موهم وجود حَقِيقَة الْعُبُودِيَّة والأمتيَّة لغير الله، وَهُوَ كذب بل كفر صَرِيح فَنهى عَن ذَلِك اللَّفْظ الموهم لذَلِك، وَإِن كَانَ غيرَ مُرَاد بِخِلَاف الفتاتية والغلاميَّة وَالْجَارِيَة، لَا يُوهم ذَلِك الْإِيهَام وَلَا قَرِيبا مِنْهُ فَلَا يكره. وَأما التَّاسِعَة: أَعنِي قَوْله: ولسيده إِلَى قَوْله لغَيْرِهِمَا فَهُوَ حَاصِل مَا فِي (الْأَذْكَار) ، وَهُوَ لفظ السَّيِّد يُطلق على مَنْ يفوق قومه قَدْراً وشرفاً، وعَلى الزعيم والفاضل، والحليم الَّذِي لَا يستفزه غَضَبه، وعَلى الْكَرِيم وَالْمَالِك وَالزَّوْج وَفِي أَحَادِيث كَثِيرَة صَحِيحَة إِطْلَاقه على أهل الْفضل. كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على الْمِنْبَر وَمَعَهُ الْحسن رَضِي الله عَنهُ: (إِن ابْني هَذَا سيد) . وَكَقَوْلِه للْأَنْصَار لما أقبل سعد بن معَاذ رَضِي الله عَنهُ فِي حِصَار بني قُرَيْظَة ليحكم فيهم إذْ لم يرْضوا إِلَّا بالنزول على حكمه (قُوموا لِسيدِّكم أَو خَيركُمْ) وَفِي رِوَايَة (سيدكم من غير شكّ) . وَفِي رِوَايَة لمُسلم (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي قَول سعد بن عبَادَة: يَا رَسُول أَرَأَيْت الرجل يجد مَعَ امْرَأَته رجلا أَيَقْتُلُهُ) الحَدِيث: (انْظُرُوا مَا يَقُول سيدكم) . وَصَحَّ خبر (لَا تَقولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيدِّ فَإِنَّهُ إنْ يكن سيداً فقد أسْخَطتم ربَّكم عزّ وَجل) قَالَ النَّوَوِيّ كالخطابي وَالْجمع بَين هَذِه الْأَحَادِيث أَنه لَا بَأْس بِإِطْلَاق فلَان سيد وَيَا سَيِّدي وَنَحْو ذَلِك إِذا كَانَ المسوَّد فَاضلا خيرا لِعلْم أَو صَلَاح أَو غَيرهمَا، وإنْ كَانَ نَحْو فَاسق أَو مُتَّهم فِي دينه كره أَن يُقَال لَهُ سيد. قَالَ: وَيكرهُ أَن يَقُول الْمَمْلُوك لمَالِكه رَبِّي بل سَيِّدي أَو مولَايَ. روى الشَّيْخَانِ (لَا يقل أحدكُم أَطْعِمْ ربَّك، إِرْضِ ربّك إسق ربَّك وَليقل سَيِّدي ومولاي) الحَدِيث وَفِي رِوَايَة لمُسلم (وَلَا يقل أحدكُم رَبِّي وَليقل سَيِّدي ومولاي) الحَدِيث. قَالَ الْعلمَاء: لَا يُطلق الرب بِالْألف وَاللَّام إِلَّا على الله تَعَالَى خَاصَّة فَأَما مَعَ الْإِضَافَة فَيُقَال رب المَال وَرب الدَّار وَغير ذَلِك. وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح فِي ضَالَّة الْإِبِل (دَعْها حَتَّى يَلقاها رَبُّها) وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح (حَتَّى يُهِّم رَبُّ المالِ مَنْ يقْبل صدقته) ونظائره فِي الحَدِيث كَثِيرَة مَشْهُورَة، وَأما اسْتِعْمَال حَملَة الشَّرْع ذَلِك فَأمر مَعْرُوف مَشْهُور. قَالَ الْعلمَاء: وَإِنَّمَا كره للمملوك أَن يَقُول لمَالِكه رَبِّي لِأَن فِي لَفظه مُشَاركَة لله تَعَالَى فِي الربوبية، وَأما حَدِيث (حَتَّى يلقاها رَبهَا) وَنَحْوه كَالدَّارِ وَالْمَال فَلَا شكّ أَنه لَا كَرَاهَة فِي قَول رب المَال وَرب الدَّار، وَأما قَول يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {اذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ} [يُوسُف: 42] فَفِيهِ جوابان: أَحدهمَا: أَنه خاطبه بِمَا يعرفهُ وَجَاز هَذَا الِاسْتِعْمَال للضَّرُورَة كَمَا قَالَ مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للسامري {وَانظُرْ إِلَىاإِلَاهِكَ} [طه: 97] ثَانِيهمَا: إِن هَذَا شرع لمن قبلنَا فَلَا يكون شرعا لنا إِذا ورد شرعنا بِخِلَافِهِ وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ، وَإِنَّمَا مَحل الْخلاف حَيْثُ لم يرد شرعنا بموافقته، وَلَا مُخَالفَته. قَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس: لَا نعلم خلافًا بَين الْعلمَاء أَنه لَا يَنْبَغِي أَن يُقَال لأحد من المخلوقين مولي. قلت: مُرَّ جَوَاز إِطْلَاق مولَايَ وَلَا مُخَالفَة بَينه وَبَين هَذَا، فَإِن النّحاس تكلم فِي الْمولى بِالْألف وَاللَّام، وَلذَا قَالَ النّحاس يُقَال سيد لغير الْفَاسِق وَلَا يُقَال السَّيِّد بِالْألف وَاللَّام لغير الله تَعَالَى، وَالْأَظْهَر أَنه لَا بَأْس بقوله الْمولى وَالسَّيِّد بِالْألف وَاللَّام بِشَرْطِهِ السَّابِق انْتهى حَاصِل كَلَام الْأَذْكَار، وَبهَا يعلم أَن قَول الْجلَال لعالم أَو صَالح غير قيد، فالنسيب وَذُو الْولَايَة المنصوبان وَنَحْوهمَا كَذَلِك. وَأما الْعَاشِرَة: فدليلها الْخَبَر الْحسن أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الرّيح من روح الله أَي رَحمته تَأتي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذا رأيتموها فَلَا تسبوها واسئلوا الله خَيرهَا واستعيذوا بِاللَّه من شَرها) وَالْخَبَر الصَّحِيح (لَا تسبوا الرّيح فَإِن رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقولُوا: اللَّهُمَّ نَسْأَلك من خير هَذِه الرّيح