ثمَّ إِنَّهُم تفَرقُوا عَنهُ فَسَمِعتهمْ يَقُولُونَ: يَا رَسُول الله شقتنا بعيدَة وَنحن منطلقون فزوّدنا؟ قَالَ: لكم الرجيع) . وَلم يبْعَث إِلَيْهِم نَبِي قبل نَبينَا قطعا على مَا قَالَه ابْن حزم: أَي وَإِنَّمَا كَانُوا متطوعين بِالْإِيمَان لمُوسَى مثلا وَالدُّخُول فِي شَرِيعَته. وَقَالَ السُّبْكِيّ: لَا شكّ أَنهم مكلفون فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة كهذه الْملَّة إِمَّا بسماعهم من الرَّسُول أَو من صَادِق عَنهُ، وَكَونه إنسياً أَو جنياً لَا قَاطع بِهِ، وَظَاهر الْقُرْآن يشْهد للضحاك وَالْأَكْثَرُونَ على خِلَافه انْتهى. ورسالة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم قَطْعِيَّة فقد أجمع عَلَيْهَا الْمُسلمُونَ، وَقد اسْتَمعُوا قِرَاءَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَطن نَخْلَة وَكَانُوا تِسْعَة كَمَا صَحَّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ آذنته بهم شَجَرَة، وَكَانُوا يهوداً) . وَجَاء عَن عِكْرِمَة إِنَّهُم كَانُوا اثْنَي عشر ألفا أَي فِي وَاقعَة أُخْرَى لأَنهم جَاءُوا إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة وَالْمَدينَة مَرَّات مُخْتَلفَة. وَأخرج الْبَيْهَقِيّ أَن عمر بن عبد الْعَزِيز رأى حَيَّة ميتَة وَهُوَ قَاصد مَكَّة فحفر لَهَا وكفنها فِي خرقَة ودفنها، فَسمع قَائِلا يَقُول رَحِمك الله يَا سرق وَأشْهد لسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (تَمُوت يَا سرق فِي فلاة من الأَرْض فيدفنك خير أمتِي) . فَقَالَ لَهُ عمر: من أَنْت رَحِمك الله؟ قَالَ: أَنا رجل من الْجِنّ وَهَذَا سرق وَلم يبْق مِمَّن بَايع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْجِنّ غَيْرِي وَغَيره، وَأشْهد لسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (تَمُوت يَا سرق بفلاة من الأَرْض فيدفنك خير أمتِي) . وَجَاء عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ فِي نفر من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوجدوا حَيَّة قتيلة فكفنها بعضُهم بِبَعْض رِدَائه ودفنها، فَلَمَّا جنَّ اللَّيْل رَأَوْا امْرَأتَيْنِ تَسْأَلَانِ عَنهُ، وأخبرتاهم أَن فسقة الْجِنّ اقْتَتَلُوا مَعَ الْمُؤمنِينَ فَقَتَلُوهُ، وَأَنه من النَّفر الَّذين اسْتَمعُوا الْقُرْآن من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ولوا إِلَى قَومهمْ منذرين. وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا: أَن جمَاعَة من الصَّحَابَة رَأَوْا حيتين اقتتلا فقتلت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى فعجبوا من طيب رِيحهَا وحسنها فكفنها أحدهم ثمَّ دَفنهَا، فَسَمِعُوا قوما يسلمُونَ عَلَيْهِم وأخبروهم أَن الْمَقْتُول مِمَّن أسلم مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقتله كَافِر مِنْهُم. وَجَاء أَن رجلا أخبر عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ بِنَحْوِ ذَلِك وَأَنه رأى حيات مَا رَأَتْ عَيناهُ مثلهَا كَثِيرَة وَأَنه شم من إِحْدَاهَا ريح الْمسك فكفنها ودفنها، فَسمع من يُخبرهُ بِأَنَّهَا حيات من الْجِنّ اقْتَتَلُوا وَأَن هَذَا الَّذِي دَفنه مِمَّن سمع الْوَحْي من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو نعيم عَن أبي رَجَاء العطاردي: أَنه ضرب فِي بعض أَسْفَاره خباء على مَاء فَرَأى حَيَّة تضطرب فصب عَلَيْهَا مَاء فسكنت ثمَّ مَاتَت فكفنها ودفنها، فَسَار بَقِيَّة يَوْمه وَلَيْلَته حَتَّى أصبح وَنزل على المَاء فَسمع أَكثر من ألف يسلمُونَ عَلَيْهِ وَيدعونَ لَهُ ويثنون عَلَيْهِ بِمَا صنع، وَأَن ذَلِك آخر من بَقِي مِمَّن بَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَأخرج أَحْمد والدراوردي وَالْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن صَفْوَان بن الْمُعَطل: أَنهم خَرجُوا حجاجاً فَلَمَّا كَانُوا بالعرج رَأَوْا حَيَّة تضطرب ثمَّ مَاتَت فكفنها بَعضهم ودفنها، فَلَمَّا وصلوا مَكَّة سمعُوا من يسْأَل عَن دافنها ويثني عَلَيْهِ، وَأخْبرهمْ أَنه آخر التِّسْعَة الَّذين أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَمِعُون الْقُرْآن موتا. وَقد مر أَن الْجِنّ اسْتَمعُوا مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَرَّات وفرقاً مُتعَدِّدَة، فَلَا مَانع أَن كل وَاحِد مِمَّن مر هُوَ آخر من بَايع من فرقته. وَمِمَّا يُؤَيّد التَّعَدُّد خبر الشَّيْخَيْنِ: أَنهم اسْتَمعُوا إِلَيْهِ وَهُوَ بوادي نَخْلَة يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ الْفجْر. وَصَحَّ عَن ابْن مَسْعُود: (أَنه انْطلق مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا كَانَا بِأَعْلَى مَكَّة خطّ لَهُ بِرجلِهِ خطا وَأَجْلسهُ فِيهِ، ثمَّ افْتتح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن فغشيه أَسْوِدَة كَثِيرَة حالوا بَينهمَا حَتَّى لم يسمع صَوته ثمَّ تفَرقُوا عَنهُ كَقطع السَّحَاب وَفرغ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ الْفجْر) . وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو نعيم عَنهُ: (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج لَيْلًا وهما بِالْمَدِينَةِ وَأَخذه حَتَّى انتهيا إِلَى البقيع فخطَّ بعصا خطا ثمَّ أجلسه فِيهِ، ثمَّ انْطلق يمشي حَتَّى ثارت مثل العُجاجة السَّوْدَاء فحالت بَينهمَا، ثمَّ سَمعه يَقْرعهم بعصاه وَيَقُول: اجلسوا حَتَّى كَاد ينشق عَمُود الصُّبْح، ثمَّ جَاءَ فَسَأَلَهُ هَل رأى من شَيْء، فَأخْبر أَنه رأى رجَالًا سُودًا عَلَيْهِم ثِيَاب بيض فَقَالَ: أُولَئِكَ جن نَصِيبين يَسْأَلُونِي الزَّاد، فَمتعَتْهُم بِكُل عظم حَاصِل، أَو رَوْثَة أَو بَعْرة. قلت: وَمَا يُغني عَنْهُم ذَلِك؟ قَالَ: إِنَّهُم لَا يَجدونَ عظما إِلَّا وجدوا عَلَيْهِ لَحْمه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ يَوْم أكل وَلَا رَوْثة إِلَّا وجدوا عَلَيْهَا حبَّها الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا يَوْم أكلت) . وَفِي رِوَايَة: (وَمَا وجدوا من رَوْثٍ وجدوا ثمراً فَلَا يستَنْجِي أحدٌ مِنْكُم بِعَظْمٍ وَلَا رَوْث) . وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الزبير (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْطلق وَمَعَهُ الزبير إِلَى أَن غَابَتْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015