القونوي فِي اختصاره لمنهاجه قَالَ: وَالْجِنّ كالإنس فِي السُّؤَال والحساب وَدخُول الْجنَّة وَالنَّار، وَيحْتَمل أَن لَا يتخالطا فِي الْجنَّة لما بَينهمَا من التضاد. وَأما الْمَلَائِكَة فالأشبه أَنهم لَا يكْتب لَهُم عمل وَلَا يحاسبون إِذْ لَا سيئات لَهُم فهم كبشر لَا سيئات لَهُ. قيل: وَلَا يثابون لرفع التَّكْلِيف عَنْهُم لأَنهم لَيْسُوا من أهل المطاعم والمشارب والمناكح حَتَّى يوردوا موارد بني آدم من الْجنَّة، وَيحْتَمل أَن لَهُم مَعَ ذَلِك نعْمَة أُخْرَى أعدت لَهُم وَلَا تبلغها عقولنا فَإِنَّهُ تَعَالَى يَقُول: (أَعدَدْت لعبادي الصَّالِحين مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر) قَالَ: وَأما طيّ السَّمَاء فَيحْتَمل أَن يطويها الْمَلَائِكَة إِذا وهت وانشقت طياً شَدِيدا كَمَا يطوى السّجل الْمَكْتُوب فِيهِ الحكم المبرم مُبَالغَة فِي صيانته عَن أَن ينشر، وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى: {بِيَمِينِهِ} لإشعار الْيَمين بِالْقُوَّةِ فَضرب مثلا بِشدَّة الطيّ، وَكلما طويت سَمَاء نزلت ملائكتها إِلَى الأَرْض ويراهم النَّاس حينئذٍ كَمَا فِي سُورَة الْفرْقَان. وَمِنْهَا: أَن الْحفظَة لَا يفارقوننا إِلَّا عِنْد الْخَلَاء وَالْجِمَاع وَالْغسْل كَمَا فِي حَدِيث وَفِي حَدِيث آخر: (أَن مجْلِس الحافظين من الْإِنْسَان أقْصَى أَضْرَاسه) . وَفِي أُخْرَى: (أنقوا أَفْوَاهكُم بالخلال فَإِنَّهُ مجْلِس الْملكَيْنِ الكريمين الحافظين وَإِن مِدَادهمَا الرِّيق وقلمهما اللِّسَان) وَمن ثمَّ قَالَ: (لِسَان الْإِنْسَان قلم الْملك وريقه مداده) قيل: وَلم يرد خبر وَلَا أثر على مَاذَا يَكْتُبُونَ، وَإِنَّمَا قدر مُنكر وَنَكِير على مُخَاطبَة الْمَوْتَى المتعددين فِي الْوَقْت الْوَاحِد والأماكن المتباعدة لعظم جثتهما فيتخيل لكل أَن الْمُخَاطب هُوَ دون غَيره، وَاخْتَارَ الْحَلِيمِيّ تعدد مَلَائِكَة السُّؤَال وتسميتهم بذلك وَيُرْسل لكل وَاحِد اثْنَان كَمَا فِي كِتَابَة أَعماله. وَمِنْهَا: ذكر الْغَزالِيّ وَآخَرُونَ: أَن رُؤْيَة الْمَلَائِكَة مُمكنَة الْآن كَرَامَة يكرم الله بهَا من أوليائه من شَاءَ، وَوَقع ذَلِك لجَماعَة من الصَّحَابَة. وَلما رأى ابْن عَبَّاس جِبْرِيل قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لن يرَاهُ خلق إِلَّا عمي إِلَّا أَن يكون نَبيا، وَلَكِن يكون ذَلِك آخر عمرك) رَوَاهُ الْحَاكِم وَكَذَا رَأَتْهُ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَزيد بن أَرقم وخلْق لما جَاءَ يسْأَل عَن الْإِيمَان، وَلم يعموا لِأَن الظَّاهِر أَن المُرَاد من رَآهُ مُنْفَردا بِهِ كَرَامَة لَهُ وبالنفخ فِي الصُّور يموتون إِلَّا حَملَة الْعَرْش وَجِبْرِيل وإسرافيل وَمِيكَائِيل وَملك الْمَوْت ثمَّ يموتون أثر ذَلِك، قَالَ وهب: هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة أول من خلقهمْ الله من الْخلق وَآخر من يميتهم وَأول من يحييهم. قَالَ الْجلَال السُّيُوطِيّ شكر الله سَعْيه: وَلم أَقف على شَيْء أَن أَرْوَاحهم بعد الْمَوْت تكون فيماذا، وَالظَّاهِر أَنهم يدْخلُونَ فِي الشَّفَاعَة الْعُظْمَى لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وأخرت الثَّالِثَة ليَوْم ترغب إليّ فِيهِ الْخلق حَتَّى إِبْرَاهِيم) وَيَكُونُونَ مَعَ بني آدم حِين الْقيام لرب الْعَالمين، وَورد أَنهم فِي الْموقف يحيطون بالإنس والجنّ وَجَمِيع الْخَلَائق. وَمر عَن الْحَلِيمِيّ أَنهم لَا يحاسبون، ولايكتب لَهُم عمل، وَهُوَ يَقْتَضِي أَن أَعْمَالهم لَا توزن لِأَن الْوَزْن فرع عَن الْحساب، وَعَن كِتَابَة الْأَعْمَال فَإِن الصُّحُف هِيَ الَّتِي تُوضَع فِي الْمِيزَان، ويشفعون فِي عصاة بني آدم كالعلماء والصلحاء قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} [الْأَنْبِيَاء: 28] {وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِى السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِى شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَى} [النَّجْم: 26] ويراهم الْمُؤْمِنُونَ فِي الْجنَّة وأفضلهم جِبْرِيل وإسرافيل، وتعارضت الْأَحَادِيث فِي أفضلهما وأكثرها يدل على أَفضَلِيَّة إسْرَافيل، وَأطلق الْفَخر الرَّازِيّ بِأَنَّهُم رسل الله وَأجَاب عَن قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ يَصْطَفِى مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} [الْحجر: 75] بِأَن من للتبيين لَا للتَّبْعِيض، وَفِي كَلَام جمَاعَة غَيره: أَن مِنْهُم رسلًا وَغَيرهم وَأَعْلَاهُمْ دَرَجَة حَملَة الْعَرْش فالحافون حوله فأكابرهم جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وعزرائيل فملائكة الْجنَّة وَالنَّار فالموكلون بيني آدم فالموكلون بأطراف هَذَا الْعَالم كَذَا ذكره الْفَخر الرَّازِيّ، وَيرد تَأْخِير جِبْرِيل وَمن مَعَه عَن ذكر وَمَعَهُ نَاس على أَنه صرّح فِي (تَفْسِيره) الْكَبِير بِأَن جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل أشرف الْمَلَائِكَة، وَأَن جِبْرِيل أفضل من مِيكَائِيل لقَوْله تَعَالَى: {وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [الْبَقَرَة: 98] وَلِأَنَّهُ مظهر الْخيرَات النفسانية وَهِي أفضل من الْخيرَات الجسمانية لِأَن جِبْرِيل صَاحب الْوَحْي إِلَى الْأَنْبِيَاء بِالْعلمِ وَمِيكَائِيل صَاحب الأرزاق هَذَا مَا يتَعَلَّق بِالْمَلَائِكَةِ. وَأما مَا يتَعَلَّق بالجنّ فَلَا بَأْس ببسط الْكَلَام عَلَيْهِ فَنَقُول: جَاءَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: (أَن الله تَعَالَى لما خلق أَبَا الجنّ سموماً من مارج من نَار، قَالَ لَهُ تمنّ عليّ قَالَ أَتَمَنَّى أَن نَرى وَلَا نُرى وَأَن نغيب فِي الثرى وَيصير كهلنا شَابًّا فَأعْطى ذَلِك) فهم يَرون وَلَا يُرون وَإِذا مَاتُوا غَيَّبُوا فِي الثرى وَلَا يَمُوت كهلهم حَتَّى يعود شَابًّا يَعْنِي مثل الصبيّ ثمَّ يرد إِلَّا أرذل الْعُمر، ودلّ الْقُرْآن وَالسّنة على أَن أصل الجنّ النَّار وَإِنَّمَا أحرقتهم الشهب مَعَ ذَلِك لِأَن إضافتهم إِلَى