رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا: (يَا أم سَلمَة إِنَّهَا تخير فتختار أحْسنهم خلقا، فَتَقول: يَا رب هَذَا كَانَ أحْسنهم خلقا فِي دَار الدُّنْيَا فزوجنيه يَا أم سَلمَة ذهب حسن الْخلق بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) . فَإِن قلت: هَذَانِ الحديثان عَن أم حَبِيبَة وَأم سَلمَة يخالفان حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنْهُم / قلت: لَا مُخَالفَة لِإِمْكَان الْجمع بَينهمَا بِأَن يحمل الأول على من مَاتَت فِي عصمَة زوج وَقد كَانَت تزوجت قبله بِأَزْوَاج فَهَذِهِ لآخرهم، وَكَذَا لَو مَاتَ واستمرت بِلَا زوج إِلَى أَن مَاتَت فَتكون لآخرهم لِأَن علقته بهَا لم يقطعهَا شَيْء، وَحمل الثَّانِي على من تزوجت بِأَزْوَاج ثمَّ طلقوها كلهم فحينئذٍ تخير بَينهم يَوْم الْقِيَامَة فتختار أحْسنهم خلقا والتخيير هُنَا وَاضح لانْقِطَاع عصمَة كل مِنْهُم، فَلم يكن لأحد مِنْهُم مُرَجّح لاستوائهم فِي وُقُوع علقَة لكل مِنْهُم بهَا مَعَ انقطاعها فاتجه التَّخْيِير حينئذٍ لعدم الْمُرَجح، وَبِمَا سقته من حَدِيث أم حَبِيبَة وَأم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يعلم أَن التَّخْيِير مَذْكُور فِي الحَدِيث وَأَنه لَيْسَ من كَلَام السَّيِّد الْمَذْكُور فِي السُّؤَال، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ كَذَا وجد للمؤلف. 35 وَسُئِلَ رَضِي الله عَنهُ: عَمَّن تزوجت أَزْوَاجًا لمن تكون لَهُ مِنْهُم فِي الْآخِرَة؟ فَأجَاب بقوله: أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا فِي صفة أهل الْجنَّة حَدِيثا طَويلا وَفِيه: (قلت يَا رَسُول الله الْمَرْأَة تتَزَوَّج الزَّوْجَيْنِ وَالثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة فِي الدُّنْيَا ثمَّ تَمُوت فَتدخل الْجنَّة ويدخلون مَعهَا من يكون زَوجهَا مِنْهُم؟ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّهَا تخير فتختار أحْسنهم خلقا، فَتَقول يَا رب إِن هَذَا كَانَ أحْسنهم خلقا فِي دَار الدُّنْيَا فزوجنيه، يَا أم سَلمَة ذهب حسن الْخلق بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) . وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن أنس أَن أم حَبِيبَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: (يَا رَسُول الله الْمَرْأَة يكون لَهَا الزَّوْجَانِ فِي الدُّنْيَا تَمُوت ويموتان فيجتمعون فِي الْجنَّة لأيهما تكون؟ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لأحسنهما خلقا كَانَ عِنْدهَا فِي الدُّنْيَا، ذهب حسن الْخلق بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) . وَلَا يُعَارض ذَلِك مَا أخرجه ابْن سعد عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (الْمَرْأَة لآخر أزواجها فِي الْآخِرَة) . لِإِمْكَان الْجمع بِأَن الأوّل فِيمَن طلقوها وَلم تمت فِي عصمَة أحد مِنْهُم، وَالثَّانِي فِيمَن مَاتَت فِي عصمته أَو مَاتَ عَنْهَا وَلم تتَزَوَّج بعده، ثمَّ رَأَيْت مَا يُؤَيّدهُ وَهُوَ مَا أخرجه ابْن سعد فِي (طبقاته) عَن أَسمَاء بنت أبي بكر كَانَت تَحت الزبير بن الْعَوام وَكَانَ شَدِيدا عَلَيْهَا فَأَتَت أَبَاهَا فشكت ذَلِك إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: يَا بنية اصْبِرِي فَإِن الْمَرْأَة إِذا كَانَ لَهَا زوج صَالح ثمَّ مَاتَ عَنْهَا وَلم تتَزَوَّج بعده جُمع بَينهمَا فِي الْجنَّة) . وَلَا يُنَافِيهِ مَا أخرجه ابْن وهب عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَيْضا قَالَ: بَلغنِي أَن الرجل إِذا ابتكر بِالْمَرْأَةِ تزَوجهَا فِي الْآخِرَة لِإِمْكَان حمله على مَا إِذا مَاتَت مَعَه، أَو مَاتَ وَلم تتَزَوَّج بعده، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. 36 وَسُئِلَ رَضِي الله عَنهُ: هَل أحد يدْخل الْجنَّة بلحيته؟ فَأجَاب بقوله: نعم مُوسَى على نَبينَا وَعَلِيهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام كَمَا فِي حَدِيث فِي (التَّذْكِرَة) . 37 وَسُئِلَ فسخ الله فِي مدَّته: هَل يتعارف أهل الْجنَّة ويتزاورون ويتذاكرون مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا؟ فَأجَاب بقوله: فِي ترغيب الْمُنْذِرِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة فيشتاق الإخوان بَعضهم إِلَى بعض فيسيرُ سَرير هَذَا إِلَى سَرير هَذَا، وسرير هَذَا إِلَى سَرِير هَذَا، حَتَّى يجتمعا جَمِيعًا فيبكي هَذَا ويبكي هَذَا، فَيَقُول أَحدهمَا لصَاحبه: تَعْلم مَتى غفر الله لنا؟ فَيَقُول صَاحبه: نعم، يَوْم كَذَا فِي مَوضِع كَذَا وَكَذَا فدعونا الله فغفر لنا) . 38 وَسُئِلَ رَضِي الله عَنهُ: هَل التعبديّ أفضل أَو مَعْقُول الْمَعْنى؟ فَأجَاب بقوله: قَضِيَّة كَلَام الْعِزّ بن عبد السَّلَام أَن التعبدي أفضل لِأَنَّهُ لمحض الإنقياد بِخِلَاف مَا ظَهرت علته فَإِن ملابسه قد يَفْعَله لأجل تَحْصِيل مصْلحَته وَفَائِدَته وَخَالفهُ البُلْقِينِيّ فَقَالَ: لَا شكّ أَن مَعْقُول الْمَعْنى من حَيْثُ الْجُمْلَة أفضل لِأَن أَكثر الشَّرِيعَة كَذَلِك وبالنظر للجزئيات قد يكون التعبديّ أفضل كَالْوضُوءِ وَغسل النَّجَاسَة فَإِن الْوضُوء أفضل وَإِن كَانَ تعبدياً، وَقد يكون مَعْقُول الْمَعْنى أفضل كالطواف وَالرَّمْي، فَإِن الطّواف أفضل من الرَّمْي وَذَلِكَ بِاعْتِبَار الْأَدِلَّة والمتعلقات فَلَا يُطلق القَوْل بأفضلية أَحدهمَا على الآخر انْتهى، وَكَون الْوضُوء تعبدياً رأى للْإِمَام وَالْأَوْجه خِلَافه وَكَون الطّواف معقولاً دون الرَّمْي فِيهِ نظر بل إمَّا أَن يُقَال إنَّهُمَا معقولا الْمَعْنى كَمَا بَينته فِي (حَاشِيَة الْإِيضَاح) أَو تعبديان كَمَا ذكره بَعضهم وَقد يُقَال كَلَام الْعِزّ بن عبد السَّلَام لَا يُنَافِي التَّفْصِيل الَّذِي ذكره لِأَنَّهُ ذكر حيثية التَّفْضِيل فَلَا يبعد أَن يكون التعبدي أفضل من