أَخْبرنِي عَن العَبْد كم مَعَه من ملك؟ فَقَالَ: ملك عَن يَمِينك على حَسَنَاتك وَهُوَ أَمِير على الشمَال إِذا عملتَ حَسَنَة كتبتْ عشرا، وَإِذا عملت سَيِّئَة قَالَ الَّذِي على الشمَال للَّذي على الْيَمين أأكتب؟ قَالَ: لَا لَعَلَّه يسْتَغْفر الله وَيَتُوب فَإِذا قَالَ ثَلَاثًا، قَالَ: نعم أكتبه أراحنا الله مِنْهُ فبئس القرين مَا أقلّ مراقبته لله وَأَقل استحياءه مِنْهُ يَقُول الله: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وملكان من بَين يَديك وَمن خَلفك يَقُول الله: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرَّعْد: 11] وَملك قَابض غلى ناصيتك فَإِذا تواضعت لله رفعك وَإِذا تجبرت على الله قصمك، وملكان على شفتيك لَيْسَ يحفظان عَلَيْك إِلَّا الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَملك قَائِم على فِيك لَا يدع أَن تدخل الْحَيَّة فِي فِيك وملكان على عَيْنَيْك، فَهَؤُلَاءِ عشر أَمْلَاك على كل بني آدم ينزلون مَلَائِكَة اللَّيْل على مَلَائِكَة النَّهَار لِأَن مَلَائِكَة اللَّيْل سوى مَلَائِكَة النَّهَار فَهَؤُلَاءِ عشرُون ملكا على كل آدَمِيّ وإبليس بِالنَّهَارِ وَولده بِاللَّيْلِ. وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا والصابوني عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وكل بِالْمُؤمنِ سِتُّونَ وثلثمائة ملك يدْفَعُونَ عَنهُ مَا لم يقدر عَلَيْهِ من ذَلِك لِلْبَصَرِ سَبْعَة أَمْلَاك يَذبُّونَ عَنهُ كَمَا يذب عَن قَصْعَة الْعَسَل من الذُّبَاب فِي الْيَوْم الصَّائِف، أما لَو بدا لكم لرأيتموه على كل سهل وجبل وَكلهمْ باسط يَدَيْهِ فاغرفاه ومالو وكل العَبْد فِيهِ إِلَى نَفسه طرفَة عين لَاخْتَطَفَتْهُ الشَّيَاطِين) . وَسَيَأْتِي مَا يُخَالف ذَلِك فِي الْعدَد أَيْضا وَيُمكن الْجَواب عَن تخَالف هَذِه الْمَذْكُورَات على تَقْدِير صِحَّتهَا كلهَا بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ ذكر الْقَلِيل يحْتَمل أَنه أَرَادَ حفظا خَاصّا وَحَيْثُ ذكر الْكثير يحْتَمل أَنه أَرَادَ حفظا عَاما، وَيحْتَمل أَنه أعلم بِالْقَلِيلِ ثمَّ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَيحْتَمل أَن ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص؛ فَمن النَّاس من يُوكل بِهِ قَلِيل وَمِنْهُم من يُوكل بِهِ كثير. وَقَول السَّائِل: وَهل يحفظون الْجَنِين؟ جَوَابه: نعم. وَقد أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (إِن ابْن آدم لفي غَفلَة عَمَّا خلق لَهُ، إِن الله إِذا أَرَادَ خلقه قَالَ لملك اكْتُبْ رزقه اكْتُبْ أَثَره اكْتُبْ أَجله اكْتُبْ شقياً أَو سعيداً، ثمَّ يرفع ذَلِك الْملك وَيبْعَث الله ملكا فيحفظه حَتَّى يدْرك، ثمَّ يرفع ذَلِك الْملك ثمَّ يُوكل بِهِ ملكَيْنِ يكتبان حَسَنَاته وسيئاته فَإِذا حَضَره الْمَوْت ارْتَفع ذَانك الْملكَانِ وجاءه ملك الْمَوْت ليقْبض روحه، فَإِذا دخل قَبره ردّ الرّوح إِلَيْهِ فِي جسده وجاءه ملكا الْقَبْر فامتحناه ثمَّ يرتفعان، ثمَّ إِذا كَانَت السَّاعَة انحط عَلَيْهِ ملك الْحَسَنَات وَملك السَّيِّئَات وانتشطا كتابا معقوداً فِي عُنُقه ثمَّ حضر مَعَه وَاحِد سائق وَآخر شَهِيد ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن قدامكم لأمراً عَظِيما لَا تقدرونه فاستعينوا بِاللَّه الْعَظِيم) . وَقَوله: وَهل على الْكَافِر حفظَة؟ جَوَابه: نعم، كَمَا شَمله بل صرح بِهِ قَوْله تَعَالَى: {كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِ الدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ إِنَّ الأٌّبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ} [الإنفطار: 14] . وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: (جعل الله على ابْن آدم حافظين فِي اللَّيْل وحافظين فِي انهار يحفظان عمله ويكتبان أَثَره) . وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: (مَعَ كل إِنْسَان ملكان ملك عَن يَمِينه وَآخر عَن شِمَاله فَأَما الَّذِي عَن يَمِينه فَيكْتب الْخَيْر وَأما الَّذِي عَن شِمَاله فَيكْتب الشَّرّ) . وَقَوله: وَمَا حَقِيقَة حفظهم إِلَى آخِره؟ جَوَابه: حَقِيقَة ذَلِك تعلم مِمَّا سَنذكرُهُ. أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله تَعَالَى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرَّعْد: 11] قَالَ: لَيْسَ من عبد إِلَّا لَهُ مُعَقِّبَات من الْمَلَائِكَة من بَين يَدَيْهِ ملكان يكونَانِ مَعَه فِي النَّهَار فَإِذا جَاءَ اللَّيْل أصعدا وأعقبهما ملكان فَكَانَا مَعَه ليلته حَتَّى يصبح يَحْفَظُونَهُ من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَلَا يُصِيبهُ شَيْء لم يكْتب إِذا غشيه شَيْء من ذَلِك دفعاه عَنهُ ألم تره يمرّ بِالْحَائِطِ فَإِذا جَازَ سقط فَإِذا جَاءَ الْكتاب خلوا بَينه وَبَين مَا كتب لَهُ وهم من أَمر الله أَمرهم أَن يحفظوه. وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يقْرَأ لَهُ مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ ورقباء من خَلفه من أَمر الله يَحْفَظُونَهُ. وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ كرم الله وَجهه {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرَّعْد: 11] قَالَ: لَيْسَ من عبد إِلَّا وَمَعَهُ مَلَائِكَة يَحْفَظُونَهُ من أَن يَقع عَلَيْهِ حَائِط أَو يتردى فِي بِئْر أَو يَأْكُلهُ سبع أَو غرق أَو حرق فَإِذا جَاءَ الْقدر خلوا بَينه وَبَين الْقدر. وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي الْقدر وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ أَيْضا قَالَ: (لكل عبد حفظَة يَحْفَظُونَهُ