وَإِلَّا فَهِيَ مُحرمَة، وَفِي الحَدِيث (كل بدْعة ضَلَالَة وكل ضَلَالَة فِي النَّار) وَهُوَ مَحْمُول على الْمُحرمَة لَا غير، وَحَيْثُ حصل فِي ذَلِك الِاجْتِمَاع لذكر، أَو صَلَاة التَّرَاوِيح أَو نَحْوهَا محرم، وَجب على كل ذِي قدرَة النَّهْي عَن ذَلِك وعَلى غَيره الِامْتِنَاع من حُضُور ذَلِك وَإِلَّا صَار شَرِيكا لَهُم، وَمن ثمَّ صرح الشَّيْخَانِ بِأَن من الْمعاصِي الْجُلُوس مَعَ الْفُسَّاق إيناساً لَهُم.

91 - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: هَل سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفضل الرُّسُل خُصُوصا فَهَل يفضلهم عُمُوما أم لَا، وَهل الْولَايَة الْمَخْصُوصَة فِي مرتبَة النبوّة أَولا، وَهل ولَايَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَفْضَل من نبوّته أم نبوّته أفضل أم الرتْبتان متساويتان أم كَيفَ الْحَال، وَهل كَانَ نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متعبداً بشرع أحد من الْأَنْبِيَاء قبل الْبعْثَة وَبعدهَا أم لَا، وَهل أرسل إِلَى الْخلق كَافَّة حَتَّى إِلَى الْمَلَائِكَة كَمَا نقل ذَلِك بَعضهم، أم إِلَى الثقلَيْن فَقَط، وَهل الْأَفْضَلِيَّة بَين الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة قَطْعِيَّة أم اجتهادية، إذْ لَا شَاهد من الْعقل يقطع بأفضلية بعض الْأَئِمَّة على الْبَعْض، وَالْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي فضائلهم متعارضة، وَهل الْإِنْسَان الْكَامِل الَّذِي كمل لَهُ الْإِيمَان بِاللَّه قبل الْبعْثَة يدْخل الْجنَّة أم لَا، وَأَيْضًا هَل الْقَائِل بِأَن العَبْد خَالق لأفعاله مُشْرك أم لَا، وَهل يجوّز الْعقل إثابة الْكَافِر وعقوبة الْمُؤمن أم لَا؟ فَأجَاب بقوله: لَا يخفى على من لَهُ أدنى ممارسة بتأمل الْكتاب وَالسّنة أَن نَبينَا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفضل جَمِيع الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ خُصُوصا وعموماً لقَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىابَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ اللَّهُ} [الْبَقَرَة: 253] أَي مُوسَى {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} أَي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَفعه الله تَعَالَى على سَائِر الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ من ثَلَاثَة أوجه: بالمعراج بِذَاتِهِ، وبالسيادة على جَمِيع الْبشر، وبالمعجزات الَّتِي لَا تحصر وَلَا تفنى، وَكفى بِالْقُرْآنِ معْجزَة بَاقِيَة مستمرة إِلَى قرب قيام السَّاعَة، وَفِيه من المعجزات والفضائل لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على غَيره مَا لَا يُحْصى. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَفِي هَذَا الْإِبْهَام من تفخيم فَضله وإعلاء قدره مَا لَا يخفى لما فِيهِ من الشَّهَادَة على أَنه الْعلم الَّذِي لَا يَشْتَبِه والمتميز الَّذِي لَا يلْتَبِس، وَمن هَذِه الْآيَة وَقَوله تَعَالَى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىابَعْضٍ} [الْإِسْرَاء: 55] رد الْعلمَاء على الْمُعْتَزلَة قبحهم الله تَعَالَى فِي قَوْلهم: إِنَّه لَا فضل لبَعض الْأَنْبِيَاء على بعض، وَالنَّهْي فِي أَحَادِيث عَن التَّفْضِيل بَين الْأَنْبِيَاء مَحْمُول عِنْد الْعلمَاء على تَفْضِيل يُؤَدِّي إِلَى تنقيص بَعضهم، وَمن زعم أَن آدم أفضل لحقِّ الأبوَّة، فَإِن أَرَادَ أنَّ فَضْله من حَيْثُ كَونه أَبَا لَا مِنْ حَيْثُ النبوّة والمعجزات والخصائص، فَلهُ وَجه، وَإِلَّا فَلَا وَجه لما زَعمه مَعَ خبر التِّرْمِذِيّ. أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أَنا سيد ولد آدم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا فَخْر، وَبِيَدِي لِوَاء الْحَمد وَلَا فَخْر، وَمَا من نبيّ آدم فمنّ سواهُ إِلَّا تَحت لِوَائِي يَوْم الْقِيَامَة) فَبين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله: (آدم فَمن سواهُ) أَنه أفضل الكلّ، وَقَوله: (ولد آدم) للتأديب مَعَ الْأُبُوَّة، وَقَوله: (وَلَا فَخْر) المُرَاد بِهِ وَلَا فَخر أعظم من هَذَا، أَو لَا أَقُول ذَلِك على جِهَة الْفَخر بل على جِهَة الْإِخْبَار بالواقع، وَقَوله (يَوْم الْقِيَامَة) خصّه بِالذكر لِأَنَّهُ يظْهر لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ من السؤدد والتمييز على سَائِر الْأَنْبِيَاء مَا لَا يظْهر لغيره، لَا سِيمَا الْمقَام الْمَحْمُود الَّذِي يؤتاه ذَلِك الْيَوْم، وَهُوَ الشَّفَاعَة الْعُظْمَى فِي فصل الْقَضَاء حِين يذهب النَّاس إِلَى أولى الْعَزْم، نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى، فكُلُّ يذكر لنَفسِهِ شَيْئا وَيَقُول: نَفسِي نَفسِي إِلَّا نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ يَقُول: (أَنا لَهَا أَنا لَهَا) الحَدِيث. وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا عِنْد البُخَارِيّ (أَنا سيد النَّاس يَوْم الْقِيَامَة) وَهَذَا صَرِيح فِي أفضليته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على آدم وعَلى جَمِيع أَوْلَاده من الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ، وَفِي حَدِيث عِنْد الْبَيْهَقِيّ (أَنا سيد الْعَالمين) وهم الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة فَفِيهِ التَّصْرِيح بِأَنَّهُ أفضل الْخلق كلهم. وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث مُسلم الْآتِي (وأرسلتُ إِلَى الْخلق كافَّة) وَمن شَأْن الرَّسُول أَن يكون أفضل من الْمُرْسل إِلَيْهِم، وَاسْتدلَّ الْفَخر الرَّازِيّ على أفضليته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سَائِر الْأَنْبِيَاء بقوله تَعَالَى بعد ذكرهم {أُوْلَائِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الْأَنْعَام: 90] وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصفهم بالأوصاف الحميدة ثمَّ أَمر نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَقْتَدِي بجميعهم فَيكون إِتْيَانه بذلك وَاجِبا وَإِلَّا كَانَ تَارِكًا لمقْتَضى الْأَمر، وَإِذا أَتَى بِجَمِيعِ مَا تلبسوا بِهِ من الْخِصَال الحميدة فقد اجْتمع فِيهِ مَا كَانَ مفرقاً فيهم فَيكون أفضل مِنْهُم، وَاحْتج السعد التَّفْتَازَانِيّ بقوله تَعَالَى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمرَان: 110] قَالَ: لِأَنَّهُ لَا شكّ أَن الْخَيْرِيَّة للْأمة إِنَّمَا هُوَ بِحَسب كمالهم فِي الدّين وَذَلِكَ تَابع لكَمَال نَبِيّهم الَّذِي يتبعونه: أَي فلولا أَنه خير الْأَنْبِيَاء لم تكن أمته خير الْأُمَم، وَقد ثَبت بِنَصّ الْآيَة أَنهم خير الْأُمَم فَيكون نَبِيّهم خير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015