المزيد، يأمر الناس بما لا يأتى، يحبّ الصالحين ولا يعمل بأعمالهم، ويكره المسيئين وهو منهم، يكره الموت لكثرة ذنوبه، ولا يدعها فى حياته. وجاء فى الحديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل ليحمد العبد إذا قال الحمد لله» ، فلذلك قال «1» محمود الورّاق فى هذا المعنى:
إذا كان شكرى نعمة الله نعمة ... علىّ له فى مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلّا بفضله ... وإن طالت الأيّام واتّصل العمر
إذا مسّ بالسرّاء عمّ سرورها ... وإن مسّ بالضراء أعقبها الأجر
وما منهما إلّا له فيه نعمة ... تضيق بها الأوهام والبرّ والبحر
فهذا معنى لطيف، يعنى أن الله عزّ وجلّ لا يحمد إلّا بتوفيق يجب أن يحمد على توفيقه، ثم وجب فى الحمد الثانى ما وجب فى الحمد الأوّل، ثم إلى ما لا نهاية له.
ويروى فى الخبر أن داود عليه السلام قال: إلهى كيف لى أن أشكرك وأنا لا أصل إلى شكرك إلّا بنعمتك! فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: أن يا داود، ألست تعلم أن الّذى بك من النعم هو منّى! قال: بلى يا ربّ، قال: فأنى أرضى بذلك منك شكرا.
فلو «2» كان يستغنى عن الشكر ماجد ... لعزّة مجد أو علوّ مكان
لما أمر الله العباد بشكره ... فقال اشكروا لى أيها الثقلان
وكان يقال: كثرة الامتنان من النعم تهدم الصنيعة وتكدّر المعروف. وكان يقال:
من كفر النعمة كتمانها من المنعم عليه، ومن تكديرها إظهارها من المنعم. فعلى المنعم أن لا يمتنّ، وعلى المنعم عليه أن لا يكفر، وأنشد «3» :