لذلك ليلته، فلمّا أصبح بعث إلى الأحنف فقال له: كيف رضاك عن ولدك؟
- أو ما تقول فى الولد؟ - قال الأحنف: فقلت فى نفسى: ما سألنى أمير المؤمنين عن هذا إلا لموجدة دخلته على يزيد، فحضرنى كلام لو كنت روّأت «1» فيه سنة كنت قد أجدت، فقلت: يا أمير المؤمنين: هم ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة، وبهم نصول ونصل إلى كلّ حيلة، فإن سألوك فأعطهم، وإن غضبوا فأرضهم، يمحضوك ودّهم، ويلطفوك جهدهم، ولا تكن عليهم قفلا لا تعطيهم إلّا نزرا فيملّوا حياتك ويكرهوا قربك. فقال: لله درّ الأحنف! لقد دخلت علىّ وإنّى لمن أشدّ الناس موجدة على يزيد، فلقد سللت سخيمة «2» قلبى، يا غلام، اذهب إلى يزيد فقل له: إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك: قد أمرنا لك بمائتى ألف درهم ومائتى ثوب، فأرسل من يقبض مالك، فأتاه الرسول فأعلمه، فقال: من كان عند أمير المؤمنين؟ فقال: الأحنف، [فقال] : لا جرم! لأقاسمنّه الجائزة، فوجّه برسول يأتيه بالمال ورسول يأتيه بالأحنف. فقال: يا أبا بحر: كيف كان رضا أمير المؤمنين؟ فأخبره، فقاسمه الجائزة، وأمر له بمائة ألف ومائة ثوب.
وحدّثنى الرياشىّ قال: دخل عقيل بن أبى طالب على معاوية- وكان من أحضر الناس جوابا- فقال له معاوية: يا عقيل «3» ، ما حال عمّك أبى لهب؟
وأين مكانه من النار؟ فقال: إذا أنت دخلتها فخذ على يسارك، فستجده مفترشا عمّتك حمّالة الحطب، فأطرق معاوية.