قال أبو العباس: قصدنا فيما نحكيه فى كتابنا هذا حسن الاختيار وكثرة الاختصار، وذكر ما يستغنى به عن غيره، ويقنع بمثله عن نظيره، وإنما نذكر فى كل باب أحسن ما روى لنا فيه، وأطرف ما نمى إلينا منه. ولو ذهبنا نستقصى آخر هذا الباب لمدّ بنا الحديث وطال بنا القول. والحمد لله الموفق المعين.
نذكره ونشرح فيه بعض أخبار المعمّرين وأشعار العرب المحدثين فى ذمّ الشيب وفقد الشباب، ومدح من مدح شيبه وذمّ من ذمّه، ووصف إسراعه إليه وتغييره إياه على كثرة ذلك وتفاوته، ونفضّل ما نحكيه من ذلك، ولم اخترنا ما اخترناه.
وبالله الحول والقوة.
حدّثنى الرياشىّ عن الأصمعى قال: كان ربيعة بن نزار يحمل أخاه مضر على عنقه ويقول: اللهم بلّغ به، وكان أكبر منه بنحو من خمسين سنة.
وحدّثنى الرياشىّ عن الأصمعىّ عن أبى عمرو بن العلاء قال: قيل لشيخ قد ذهب منه المأكل والمشرب والنكاح: هل تشتهى أن تموت؟ قال: لا، فقيل له:
فما تشتهى؟ قال: أشتهى أن أعيش وأسمع الأعاجيب.
وأنشدنى الرياشىّ لعلىّ بن الغدير الغنوى:
وهلك الفتى ألّا يراح «1» إلى النّدى ... وألّا يرى شيئا عجيبا فيعجبا
وحدّثنى الرياشىّ عن أبى عمرو بن العلاء قال: [قيل] لشيخ قد بلغ ثلاثين ومائتى سنة: كيف رأيت عيشك؟ قال: عشت مائة سنة لا أصدّع، وأصابنى فى الثلاثين والمائة ما يصيب الناس «2» .