قال: قتلتُ كُليباً. قال أبوه: بئس لعمر الله ما جنيت على قومك! قال جسّاس:
تَأَهَّب عَنْكَ أُهْبَة ذِي امْتِناعٍ ... فإنَّ الأَمْرَ جَلّ عن التَلاحِي
فإنِّي قد جَنَيْتُ عليكَ حَرْباً ... تغصّ الشيخَ بالماءِ القَراحِ
فأجابه أبوه:
فَإنْ تَكُ قد جَنَيْتَ عَلَيَّ حَرْباً ... فلا وَانٍ ولاَ رَثّ السِّلاحِ
سأَلْبس ثَوْبَها وأَذُبُ عَنَّي ... بها يومَ المَذلَّةِ والفِضاحِ
ثم قوّضوا الأفنية وجمعوا النعم والخيل وأزمعوا الرحيل. وكان همّام بن مرة أخو جسّاس نديماً لمُهلهل بن ربيعة أخي كليب. فبعثوا جارية لهم إلى همّام لتُعلمه الخبر، وأمروها أن تُسرّه من مهلهل. فأتتهما الجارية وهما على شرابهما فسارَّت همّاماً بالذي كان من الأمر. فلما رأى ذلك المهلهل سأل همّاماً عما قالت الجارية، وكان بينهما عهدٌ ألا يكتم أحدهما صاحبه شيئاً. فقال له: أخبرتني الجارية أن أخي قتل أخاك. فقال مهلهل: أخوك أضيق استاً من ذلك. وسكت همّام. وأقبلا على شرابهما فجعل مهلهل: يشرب شرب الآمن وهمّام يشرب شرب الخائف، فلم تلبث الخمر مهلهلاً حتى صرعته، فانسل همّام فأتى قومه وقد تحملوا فتحمل معهم. وظهر أمر كليب. فلما أصبح مهلهل إذا هو بالنساء يصرخن على كليب. فقال: ما دهاكن؟ قلن العُظْمُ من الأمر، قتلَ جسّاس كليباً. ونشب الشر بين تغلب وبكر أربعين سنة كلها تكون لتغلب على بكر. وكان الحارث بن عباد البكري قد اعتزل القوم، فلما استحرَّ القتل في بكر. اجتمعوا إليه وقالوا: قد فني قومك. فأرسلَ إلى مهلهل ببُجير ابنه فقال له: قل أبو بُجير يقرئك السلام، ويقول لك قد علمت أني اعتزلت قومي لأنهم ظلموك وخليتك وإياهم، وقد أدركت وِتْرَك، فأنشدك الله في قومك.