وقولهم: لا تكُنْ حُلواً فتزدرد ولا مُراً من افتُلْفَظ أول من قال هذين المثلين فيما زعم ابن الكلبي أبجر بن جابرٍ لعجلي. وكان من خبر ذلك: أن حجار بن أبجر كان نصرانياً فرغب في الإسلام، فأتى أباه فقال: يا أبه إني أرى أقواماً قد دخلوا في هذا الدين ليس لهم مثل قدمي ولا مثل آبائي فشرفوا، فأحب أن تأذن لي فيه. قال: يا بني إذا أزمعت على هذا فلا تعجل حتى أقدم معك على عمر فأوصيه بك. وإن كنت لابد فاعلاً فخذ مني ما أقول لك: إياك أن تكون لك همة دون الغاية القصوى. وإياك والسآمة، فإنك إن سئمت قذفتك الرجال خلف أعقابها. وإذا دخلت مصراً فأكثر من الصديق فإنك على العدو قادر. وإذا حضرت باب السلطان فلا تنازعن بوابه على بابه، فإن أيسر ما لقاك منه أن يعلقك اسماً يسبك به الناس، فإذا وصلت إلى أميرك فبوئ لنفسك منزلاً يجمل بك. وإياك أن تجلس مجلساً تقام منه، أو أن تجلس مجلساً يقصر بك. فإن أنت جالست أميرك فلا تجالسه بخلاف هواه، فإنك إن فعلت ذلك لم آمن عليك إن لم يعجل عقوبتك أن ينفر قلبه عنك، فلا يزال منك منقبضاً. وإياك والخطب فإنها مشوارٌ كثير العثار، وإياك أن تكون حلواً فتزدرد، ولا مراً فتلفظ واعلم أن أمثل القوم بقيةً الصابر عند نزول الحقائق، الذائد عن الحرم.