إن الفتى يُغِيرُك، وإن الشيخ يَمِيرُك، وليس الكهل الفاضل، الكثير النائل كالحَدَث السنِّ، الكثير المنِّ. قالت: يا أمّاه!
إن الفتاة تُحِبُّ الفتَى ... كحُبِّ الرِّعاءِ أَنِيقَ الكَلاَ
قالت: أي بُنيّة. إن الفتى شديد الحجاب، كثير العتاب. قالت: إن الشيخ يدنس ثيابي، ويبلي شبابي، ويُشمت بي أترابي. فلم تزل بها أمها حتى غلبتها على رأيها فتزوجها الحارث على خمسين ومائة من الإبل وخادم وألف درهم. فابتنى بها ثم رحل بها إلى قومه. فبينا هو ذات يوم جالس بفناء قبّته وهي إلى جانبه. إذ أقبل شبابٌ من بني أسد يعتلجون، فتنفست صعداء ثم أرخت عينيها بالبكاء. فقال لها: ما يُبكيك؟ قالت: مالي وللشيوخ الناهضين كالفُروخِ. فقال لها: ثكلتك أمك، تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها. فذهبت مثلاً. أما وأبيك لرُبَّ غارةٍ شهدتُها وسَبِيَّةٍ أردفتُها، وخمر شربتها. فالحقي بأهلك فلا حاجة لي فيك. وقال:
تَهَزَّأَتْ أَنْ رَأَتْني لابِساً كِبَراً ... وغايةُ النَّاسِ بَيْنَ الْمَوْتِ والكِبَرِ
فإِنْ بَقِيتِ لَقِيتِ الشَّيْبَ راغِمَةً ... وفي التعَرُّفِ ما يَمضِي من العِبَرِ
فإنْ يكن قد عَلاَ رأسِي وغَيَّرَهُ ... صِرْفُ الزمانِ وتَغْيِيرٌ من الشَّعَرِ
فقد أَرُوحُ لِلَذَّاتِ الفَتَى جَذِلاً ... وقد أُصِيبُ بها عِيناً من البَقَرِ
عَنِّي إليكِ فإنّي لا يُوَافِقُني ... عُورُ الكِلامِ ولا شُرْبٌ على كَدَرِ