قَالُوا: يَا رَسُول الله: أَفَرَأَيْت وَهُوَ من يَمُوت وَهُوَ صَغِير قَالَ: إِن الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين. بِنَاء الْفطْرَة تدلُّ على النَّوْع من الْفطر كالجلسة وَالركبَة. وَفِي اللَّام إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا معهودة وَأَنَّهَا فطْرَة الله الَّتِي نطق بهَا قَوْله تَعَالَى عز من قَائِل: {فأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّيِنِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللهِ التِي فَطَرَ النَّاسَ عليْهَا لَا تَبْدِيلَ لخَلْقَ اللهِ ذلِكَ الدَّينُ القَيِّم} وَالْفطر: الِابْتِدَاء والاختراع. وَمِنْه حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه قَالَ: مَا كنت لأدري مَا فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَتَّى احتكم إليَّ أَعْرَابِيَّانِ فِي بِئْر فَقَالَ أَحدهمَا: أَنا فطرتها أَي ابتدأت حفرهَا. وَالْمعْنَى أَنه يُولد على نوع من الجبلة وَهُوَ فطْرَة الله وَكَونه متهيئا مستهدفا لقبُول الحنيفية طَوْعًا لَا إِكْرَاها وطبعاً لَا تكلفا لَو خلَّته شياطين الْجِنّ وَالْإِنْس وَمَا يختاره لم يخْتَر إِلَّا إِيَّاهَا وَلم يلْتَفت إِلَى جنبه سواهَا. وَضرب لذَلِك الجمعاء والجدعاء مثلا يَعْنِي أَن الْبَهِيمَة تولد سوية الْأَعْضَاء سليمَة من الجدع وَنَحْوه لَوْلَا النَّاس وتعرّضهم لَهَا لبقيت كَمَا ولدت وَقيل للسليمة: جَمْعَاء لِأَن جَمِيع أعضائها وافرة لم ينتقص مِنْهَا شَيْء. وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله تَعَالَى: إِنِّي خلقت عبَادي حنفَاء فَاجْتَالَتْهُمْ الشَّيَاطِين عَن دينهم وَجعلت مَا نحلتهم من رزق فَهُوَ لَهُم حَلَال فَحرم عَلَيْهِم الشَّيَاطِين مَا أحللت لَهُم. يَعْنِي البحائر والسيَّب. وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِمَا كَانُوا عاملين: إِشَارَة إِلَى تعلق المثوبة والعقوبة بِالْعَمَلِ وَأَن الصغار لَا عمل لَهُم وَقد أخرجه على سَبِيل التهكم وَأَن الله بجازي الصغار كفاء مَا عمِلُوا وَقد علم أَنهم لم يعملوا عملا يجازون بِهِ.