قال الغزالي: الواقعة في محل الحاجة والزينة: لا يجوز التمسك بها، لأنه يجري مجرى وضع الشرع، والواقعة في محل الضرورة: لا يبعد التمسك بها إذا كانت قطعية كلية، ولعله محل الخلاف. وهو كما إذا تترس الكفار بالمسلمين حيث يقطع باستيلائهم، عند عدم قتالهم فيحتمل الأمران، فإنا لو امتنعنا عنه لقتلونا وقتلوا الترس، ولو قتلنا الترس لقتلنا مسلما بريئا، وهو غير معهود في الشرع، لكن نعلم أن حفظ كل المسلمين أقرب إلى المقصود الشارع من حفظ مسلم واحد.

وهذا فيما اجتمع فيه القيود الثلاثة، فلو اختل واحد منها لم يجز، كما لو قاتلوا كذلك دافعين، أو في قلعة، أو كان جماعة في مخمصة لو أكلوا واحدا منهم عاشوا، ولو امتنعوا ماتوا. وفيه نظر، إذ القول بالمصالح المرسلة، إنما هو عن الإمام مالك - رحمه الله تعالى - والمسألة المفروضة مما يوافق عليه غيره، بل لو صح النقل عنه، فهو مجرى على إطلاقه.

لنا:

أنه لم يعتبر هالشرع، فلا تكون حجة، إذ هي به.

المثبت:

الحكم إن اشتمل على المصلحة الخالصة أو الراجحة. وجبت شرعيته، لأن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل - شر كثير، وإلاك وجب عدمه دفعا للمفسدة الراجحة، أو العبث، وهو كالمعلوم بالضرورة من دين الأنبياء - (صلوات الله عليهم) - بعد استقراء الأحكام. و- حينئذ - يكون حجة لما سبق من المنقول والمعقول في القياس والإجماع. إذ يعلم بعد استقراء مباحث الصحابة أنهم ما كانوا يراعون إلا: تحصيل المصالح، ودفع المفاسد، وما كانوا يلتفتون إلى الشرائط التي أحدثها المتأخرون.

لا يقال: لو كان عموم كونه وصفا مصلحيا يوجب الاعتبار لكونه مفسرا في نظره، لكان ذلك يوجب الإلغاء، لكونه ملغي - أيضا - فيلزم أن يكون الوصف الواحد معتبرا وملغي - لأنا نمنع أن المشتمل على الخالصة أو الراجحة ملغي، وإلغاء غيره لا يضر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015