لاَ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ بِالفِعْلِ، فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لَهَا فِي الْوَهْمِ وَالتَّعَقُّلِ، وهو مَذْهَبٌ فَاسدٌ؛ لأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى وُجُودِ اتصَالاتٍ لاَ نِهَايةَ لَهَا، ويُؤَدِّي إِلَى أَنْ تَكُونَ أَجزَاءُ الْخَرْدَلَةِ مُسَاوِيَةً لِأَجزَاءِ الْجَبَلِ؛ لأَنَّ كُلَّ وَاحدٍ مِنْهُمَا لاَ يَتَنَاهَى، وإِذَا حَكَمَ الْوَهْمُ علَى الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ بِالانقسَامِ، وحَكَمَ العَقْلُ بإِحَالتِه لِقيَامِ الدَّلِيلِ علَى ذَلِكَ أَيُقَدَّمُ الْوَهْمُ علَى العَقْلِ؟

ووَقَفَ الإِمَامُ فِي هذه المسأَلةِ، وهو مُقْتَضَى كلاَمُ إِمَامِ الحَرَمَيْنِ، وَالْقُصْدُ بِإِثبَاتِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ أَنَّهُ مِنْ مُقَدِّمَاتِ حَدَثِ الْعَالَمِ؛ فَإِنَّ الْجِسْمَ إِذَا أَثْبَتَ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ أَجزَاءٍ مُفْرَدَةٍَ استحَالَ خُلَوِّهِ عَنِ الأَلوَانِ التي هي عبَارةٌ عَنِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالاجتمَاعِ وَالافترَاقِ، وهي معَانٍ حَادثةٌ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّ مَا لاَ يَخْلُو عَنِ الأَلوَانِ الحَادثةِ لاَ يَسْبِقُهَا، ومَا لاَ يَسْبِقُ الحَادثةَ فهو حَادثٌ، أَوْ يُؤَدِّي إِلَى مَا لاَ أَوَّلَ لَهُ مِنَ الحوَادثِ وهو مُحَالٌ.

ص: وأَنَّهُ لاَ حَالَ، أَيْ: لاَ وَاسِطَةَ بَيْنَ الموجودِ وَالمعدومِ خِلاَفًا لِلقَاضِي وإِمَامِ الحَرَمَيْنِ.

ش: الجُمْهُورُ علَى أَنَّهُ لاَ وَاسِطَةَ بَيْنَ الْمَوْجِودِ وَالمعدومِ، وأَثْبَتَ المُعْتَزِلَةُ بَيْنَهُمَا وَاسطةً، سَمَّوْهَا بِالحَالِ، وعَرَّفُوهَا بِأَنَّهَا صفةٌ لِموجودٍ، لاَ يُوصَفُ بِوجودٍ ولاَ عدمٍ، أَيْ: أَنَّهَا غَيْرُ مَوْجُودةٍ فِي الأَعْيَانِ ولاَ مَعْدُومةٍ فِي الأَذهَانِ، وَحَكَاهُ المُصَنِّفُ عَنِ القَاضِي أَبِي بَكْرٍ وإِمَامِ الحَرَمَيْنِ؛ فأَمَّا القَاضِي فهو أَحَدُ قَوْلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الآمِدِيُّ، وأَمَّا إِمَامُ الحَرَمَيْنِ، فَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وقَالَ فِي كتَابِهِ المُسَمَّى بـ (المَدَارِكِ) اخترْنَا فِي (الشَّامِلِ) الْمَشْيَ علَى أَسَاليبِ الكلاَمِ فِي القَطْعِ بإِثبَاتِ الأَحوَالِ، ونحنُ الآنَ نَقْطَعُ بِنَفْيِهَا، وَاحْتَجَّ الإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ علَى نَفْيِهَا بِأَنَّ تِلْكَ الوَاسطةَ إِنْ كَانَ لَهَا ثُبُوتٌ بِوَجْهٍ مَا كَانَتْ مَوْجُودةٌ وإِنْ لَمْ تَكُنْ فَمَعْدُومَةٌ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015