ومِنْ ذَلِكَ يَظْهَرُ منَاسبةُ ذِكْرِ المُصَنِّفِ هذه المَسْأَلَةَ عَقِبْ مَا قبْلَهَا.
ص: وأَنَّ المُشَارَ إِلَيْهِ بِأَنَا: الْهَيْكَلُ المخصوصُ.
ش: اخْتُلِفَ فِي حقيقةِ النَّفْسِ الإِنسَانيةِ، وهي مَا يُشِيرُ إِليهَا كُلُّ وَاحِدٍ بِقَوْلِهِ: أَنَا؛ فَقَالَ كثيرٌ مِنَ المتكلمِينَ: هو الْبَدَنُ الْمُعَيَّنُ وَالْهَيْكَلُ المخصوصُ.
وقَالَ الإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي (الْمَطَالِبِ) إِنَّهُ قَوْلُ جمهورِ الْخَلْقِ، وَالمُخْتَارُ عَنْ أَكثرِ المتكلمِينَ؛ لأَنَّ كُلَّ عَاقلٍ إِذَا قِيلَ لَهُ: مَا الإِنسَانُ؟ / (251/أَ/م) يشيرُ إِلَى هذه البِنْيَةِ المخصوصةِ؛ ولأَنَّ الخِطَابَ يَتَوَجَّهُ إِليهَا، وكذَا الثّوَابُ وَالعِقَابُ.
وقَالَ بعضُهم: بَلْ هي اسمٌ لِخُصُوصِ اللّطيفةِ المُودَعَةِ فِيهِ وهي الرُّوحُ، حَكَاهُ الأَشْعَرِيُّ فِي (الْمَقَالاتِ) عَنْ بَعْضِ المُعْتَزِلَةِ، وَالمشهورُ فِي القرآنِ وَاللغةِ الأَوَّلُ، قَالَ تعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ} وَالمخلوقُ مِنَ الطِّينِ إِنَّمَا هو الْبَدَنُ.
قَالَ الشَّارِحُ: وأَعْجَبُ مِنَ المُصَنِّفِ فِي شَيْئَيْنِ: أَحَدِهِمَا اقْتِصَارُهُ علَى إِيرَادِ قَوْلِ الْهَيْكَلِ، مَعَ أَنَّ بعضَهُمْ قَالَ: إِنَّهُ مَبْنِيٌّ علَى إِنكَارِ النُّفُوسِ بَعْدَ المُفَارَقَةِ، وهو قَوْلٌ ضعيفٌ سَبَقَ مِنَ المُصَنِّفِ الْجَزْمُ بِخلاَفِهِ.
وَقَدْ سُئِلَ المُصَنِّفُ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ المسأَلتَيْنِ فَقَالَ: لاَ ارتبَاطَ بَيْنَهُمَا حتَّى يُسأَلَ عَنِ الجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وفِيهِ نَظَرٌ: فَإِنَّ القَائِلَ بِأَنَّ النَّفْسَ المُشَارَ إِلَيْهِ إِنَّمَا هو الهَيْكَلُ، إِذَا كَانَ حيًّا، وبِزَوَالِ الحيَاةِ يَزُولُ التّركيبُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ اختيَارُ الإِمسَاكِ عَنِ الكلاَم فِي الرُّوحِ فَكَيْفَ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا هُنَا؟
وَانْفَصَلَ المُصَنِّفُ عَنْ هذَا بِأَنَّهُمَا مسأَلتَانِ.