الجُزْئِيَّ مُتَنَاهٍ، وَالكُلِّيَّ غَيْرُ مُتَنَاهٍ.
وذهَبَ كثيرٌ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ إِلَى أَنَّهَا مَعْلُومَةٌ، وَاحتجُّوا بأَنَّ تَكْلِيفَنَا بمعرفةِ وَحْدَانِيَّتِهِ وَالحُكْمَ عَلَى ذَاتِه متوقِّفَان علَى معرفةِ حقيقتِهِ، وهو ضعيفٌ مردودٌ، ثُمَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى تجويزِ ذَلِكَ فِي الدُّنيَا فهو فِي الآخرةِ أَشدُّ تجويزًا له.
ومَنْ مَنَعَهُ فِي الدنيَا، فَاختلفُوا هَلْ يُمْكِنُ إِدرَاكُهُ فِي الآخرةِ، فطَرَدَ المَنْعَ الفلاَسفةُ وبعضُ أَصحَابِنَا كإِمَامِ الحَرَمَيْنِ وَالغَزَالِيِّ، وكذَا نقلَه الشّريفُ فِي شرحِ (الإِرشَادِ) عَنِ القَاضِي أَبِي بكرٍ، ونُقِلَ عَنِ الإِمَامِ وَالآمِدِيِّ التوقُّفُ فِي ذلك.
وفِي الصّحيحينِ/ (226/ب/م) فِي حديثِ الرؤيةِ: ((فَيَأَْتِيهُمُ اللَّهُ تعَالَى فِي صُورَةِ لاَ يَعْرِفُونَهَا فِيقولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فِيقولونَ: نَعُوذُ بَاللَّهِ مِنْكَ وهذَا مَكَانُنَا حتَّى يِأْتِينَا رَبُّنَا، فإِذَا جَاءَ ربُّنَا عَرَفْنَاه، فَيَأْتِيهُمُ اللَّهُ تعَالَى فِي صورتِهِ التي يَعْرِفُونَ، فيقولُ: أَنَا ربُّكُمْ: فِيقولونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَتَّبِعُونَهُ)).
قَالَ العلمَاءُ: المُرَادُ بِالصورةِ هُنَا الصفةُ، وَالمعنَى أَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ علَى مَا يَعْرِفُونَ مِنْ صفَاتِهِ العَلِيَّةِ، وفِي حديثٍ آخرَ: ((وَكَيْفَ تَعْرِفُونَهُ؟ فقَالُوا: إِنَّهُ لاَ شَبِيهَ لَهُ)).
ص: لَيْسَ بِجِسْمٍ ولاَ جَوْهَرٍ ولاَ عَرَضٍ، وَلَمْ يَزَلِ وَحْدَهُ ولاَ مَكَانَ ولاَ زمَانَ ولاَ قُطْرَ ولاَ أَوَانَ، ثُمَّ أَحْدَثَ هذَا العَالَمَ من غَيْرِ احتيَاجٍ، ولو شَاءَ مَا اخْتَرَعَهُ لَمْ يَحْدُثْ بَابتدَاعِهِ فِي ذَاتِه حَادثٌ.
ش: أَمَّا كَوْنُه لَيْسَ بِجْسمٍ؛ فلأَنَّ الأَجسَامَ تَقْبَلُ الزّيَادةَ وَالنَّقْصَ، قَالَ اللَّهُ تعَالَى: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالْجِسْمِ} وهو مُحَالٌ فِي حقِّهِ تعَالَى، فكذلكَ