الثَامِنُ: قَوْلُ الخُلَفَاءِ الأَربعةِ إِلاَّ عَلِيًّا- رٍَضِي اللَّه عَنْهُ- حُجَّةٌ، وهذَا مأَخوذٌ مِنْ كلاَمِ الشَّافِعِيِّ فِي الرّسَالةِ القديمةِ؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ ولم يَذْكُرْ عَلِيًّا، فَقِيلَ: حُكْمُهُ كَحُكْمِهم، وإِنَّمَا تَرَكَهُ اختصَارًا أَوْ اكتفَاءً بِذِكْرِ الأَكثرِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ القَاصِّ، وَقِيلَ: لأَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الكوفةَ، ومَاتَ كَثيرٌ مِنَ الصّحَابةِ، وتَفَرَّقُوا فِي البلدَانِ، فَعُدِمَ ذِكْرُهُ لاَ لِنَقْصِ اجتهَادِهِ بَلْ لاجتمَاعِ الصّحَابةِ مَعَ الثّلاَثةِ، فَكَانَ قَوْلُهم كَالإِجمَاعِ أَو قَوْلِ الأَكثرِ، وصَحَّحَهُ الْقَفَّالُ.
وَقَوْلُهُ: (أَمَّا وِفَاقُ الشَّافِعِيِّ) إِلَى آخِرِهِ ـ أَشَارَ بِهِ إِلَى الجوَابِ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وهو أَنَّهُ إِذَا كَانَ الصَّحيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ/ (201/ب/م) فَكَيْفَ احْتُجَّ بِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الفرَائضِ.
فأَجَابَ: بِأَنَّهُ لَمْ يأَخُذْ بِقَوْلِهِ علَى سبيلِ التّقليدِ، بَلْ لدليلٍ قَامَ عَنْدَهُ فَوَافَقَهُ، وَاستأَنسَ بِهِ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ)) ولأَنَّهُ لَمْ يُهْجَرْ لَهُ قَوْلٌ فِي الفرَائضِ بِخِلاَفِ غَيْرِهِ مِنَ الصّحَابةِ.
ص: الإِلهَامُ إِيقَاعُ شَيْءٍ فِي الصّدرِ؛ يَثْلَجُ بِهِ الصّدرُ، يَخُصُّ بِهِ اللَّهُ تعَالَى بَعْضَ أَصفِيَائِهِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ لِعَدَمِ ثِقَةِ مَنْ لَيْسَ معصومًا بِخَوَاطِرِهِ خِلاَفًا لِبعضِ الصّوفِيَّةِ.
ش: مِمَّا قِيلَ إِنَّهُ مِنَ الأَدِلَّةِ الإِلهَامُ، فَنَقَلَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي (القَوَاطِعِ) عَنْ أَبِي زَيْدٍ مِنَ الحَنَفِيَّة أَنَّهُ قَالَ: (الإِلهَامُ مَا حَرَّكَ القلبَ بِعلمٍ يَدْعُوكَ إِلَى العَمَل بِهِ مِنْ غَيْرِ استدلاَلٍ بِآيةٍ، ولاَ نَظَرٍ فِي حُجَّةٍ.