مَنَعَهُ مَنَعَ تقليدَهم؛ لأَنَّ فَتَاوِيهم لاَ يُقْدَرُ علَى استحضَارِهَا فِي كُلِّ وَاقعةٍ.
القولُ الثَّانِي: أَنَّهُ حُجْةٌ مُطْلَقًا، وهو القَوْلُ القديمُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وقَالَ بِهِ مَالكٌ وأَكثرُ الحَنَفِيَّةِ، وإِذَا قُلْنَا بهذَا فَهَلْ هو فوقَ القِيَاسِ أَو دُونَهُ؟
قولاَنِ، فَإِذَا تعَارَضَ مَعَ القِيَاسِ قُدِّمَ عَلَيْهِ علَى الأَوَّلِ، وقُدِّمَ القِيَاسُ علَى الثَّانِي، ومَا أَدْرِي هَلْ قَالَ أَحدٌ إِنَّهُ كَالقِيَاسِ بِحَيْثُ يَتَعَارَضَانِ أَمْ لاَ.
وفَرَّعَ المُصَنِّفُ علَى كَوْنِه فوقَ القِيَاسِ أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ صَحَابِيَّانِ كَانَا كَدَلِيلَيْنِ تَعَارَضَا فَيُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِدليلٍ، وعلَى كَوْنِهِ دُونَ القِيَاسِ أَنَّهُ هَلْ يُخَصَّصُ العمومُ بِهِ أَمْ لاَ؟
فِيه قولاَنِ، وهُمَا وَجْهَانِ لأَصحَابِنَا، حكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي الأَقْضِيَةِ.
أَحَدُهُمَا: الجوَازُ؛ لأَنَّهُ حُجْةٌ شَرْعِيةٌ.
وَالثَّانِي: المَنْعُ؛ لأَنَّهُ مَحْجُوجٌ بِالعمومِ، وَقَدْ كَانَتْ الصَّحَابةُ يَتْرُكُونَ أَقوَالَهم إِذَا سَمِعُوا العمومَ.
قُلْتُ: ويَنْبَغِي جَرَيَانُ التَّفريعِ الأَوَّلِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: إِنَّهُ فوقَ القِيَاسِ أَو دُونَهُ، ولاَ يُخَصُّ بِمَا إِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ فوقَه، وأَمَّا تخصيصُ التّفريعِ الثَّانِي بِمَا إِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ دُونَه فَإِنَّه إِذَا كَانَ فوقَهُ فَقُطِعَ بِالتخصيصِ بِهِ؛ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُ يَقْطَعُونَ بِالتخصيصِ بِالقِيَاسِ/ (201/أَ/م) فمَا فوقَهُ أَوْلَى.
قَالَ المُصَنِّفُ: وهذه المَسْأَلَةُ غَيْرُ التي سَبَقَتْ فِي التَّخصيصِ، حَيْثُ قُلْنَا: إِنَّ العَامَّ لاَ يُخَصُّ بِمذهبِ الرَّاوِي ولو كَانَ صَحَابِيًّا، أَيْ: سَوَاءٌ أَكَانَ قَوْلُهُ حُجَّةٌ أَمْ لاَ.
وَالمذكورُ هَهُنَا أَنَا إِنْ فَرَّعْنَا علَى أَنَّ قَوْلَه حُجَّةٌ دُونَ القِيَاسِ فَفِي التّخصيصِ بِهِ قولاَنِ، هذَا سَوَاءٌ كَانَ الصَّحَابِيُّ رَاوِيًا أَمْ لاَ.