شَيْئًا وَادَّعَاه مدَّعٍ وأَخَذَهُ مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ، فقَالُوا: يَثْبُتُ لَهُ الرّجوعُ علَى البَائعِ، وهو استصحَابُ الحَالِ فِي المَاضِي، فإِنَّ البَيِّنَةَ لاَ تَثْبِتُ +المُلْكَ، ولكنَّهَا تُظْهِرُهُ، فِيجِبُ كَوْنُ المُلْكِ سَابقًا علَى إِقَامتِهَا، ويُقَدَّرُ لَهُ لَحْظَةٌ لَطِيفَةٍ، ومِنَ المُحْتَمَلِ/ (160/أَ/د) انتقَالَ المُلْكِ مِنَ المُشْتَرِي إِلَى المُدَّعِي، ولكنَّهُمُ اسْتَصْحَبُوا مُقْلُوبًا وهو عدمُ الانتقَالِ منه.
قُلْتُ: وعدمُ الرجوعِ وجهٌ مشهورٌ، وكَانَ شَيْخُنَا الإِمَامُ البَلْقِينِيُّ يُرَجِّحُه ويقولُ: إِنَّهُ الصّوَابُ المُتَّعَيَّنُ، وَالمَذْهَبُ الذي لاَ يَجُوزُ غيرُه، قَالَ: وحكَى القَاضِي حُسَيْنٌ الأَوَّلُ عَنِ الأَصحَابِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ فِي غَايةِ الإِشكَالِ.
وأَنكرَ ذَلِكَ شيخُنَا، وقَالَ: نقلَه هذَا عَنِ الأَصحَابِ لاَ يُعْرَفُ فِي كتَابٍ مِنْ كُتُبِ الأَصحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ قَبْلَ القَاضِي ولاَ بَعْدَهُ، إِلا فِي كلاَمِ الإِمَامِ وَالغَزَالِيِّ ومَنْ تَبِعَهُمَا حكَايةً عَنِ القَاضِي.
قَالَ: وهي طريقُةُ غَيْرُ مستقيمةٍ جَامعةٌ لأَمْرِ محَالِ، وهُوَ أَنَّهُ يَأَخُذُ النَّتَاجَ وَالثَّمَرَةَ وَالزَّوَائِدَ المنفصلَةَ كلُّهَا وهي قَضِيَّةُ صِحَّةِ البَيْعِ، ويرجِعُ علَى البَائعِ بِالثَّمَنِ وهو قضِيَّةُ فسَادِ البَيْعِ، وهذَا مُحَالٌ وَخَرْقٌ عظيمٌ/ (197/ب/م) وظوَاهرُ نصوصِ الشَّافِعِيِّ وكلاَمُ الأَصحَابِ يُبْطِلُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فإِن قُلْتُ: قَد قَالُوا بِالاستصحَابِ المَقْلُوبِ فِيمَا لو قَذَفَهُ، فَزَنَا المَقْذُوفُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الحَدُّ عَنِ القَاذفِ.
قُلْتُ: لَمْ يَثْبِتُوا زنَاه فِيمَا تقدَّمَ، ولذلكَ لَمْ يَرَدُّوا شهَادتُه السَّابقُةُ، وإِنَّمَا أَسقطُوا الحَدَّ للشُّبْهَةِ لاحتمَالِ أَنَّ افتضَاحَه متقدِّمٌ السَّبَبِ، وَالحدودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.
وَقَوْلُ المُصَنِّفِ: (وَقَدْ يقَالُ) إِلَى آخرِه، أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنَّ الطّريقَ فِي تقريرِ الاستصحَابِ المقلوبِ أَن يُقَالَ: لو لَمْ يَكُنْ الحُكْمُ الثَّابِتُ الآنَ ثَابِتًا أَمسِ لكَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ، إِذ لاَ وَاسِطَةَ، وإِذَا كَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ أَمسِ اقتضَى الاستصحَابَ أَنَّهُ